كتاب المعتمد في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

شاهدوه وَلَا يجوز مَعَ كثرتهم أَن يخبروا بِمَا يعلم كل وَاحِد مِنْهُم أَنه كَانَ فِيهِ وَأَن غَيره يعلم أَنه كَاذِب فِيهِ
دَلِيل قد ثَبت دوَام شرعنا إِلَى انْقِضَاء التَّكْلِيف فَوَجَبَ أَن يكون قَول الامة حجَّة ليدوم قيام الدّلَالَة على اتِّصَال الشَّرْع وَالْجَوَاب أَن الْحجَّة فِي ذَلِك الْقُرْآن وَالِاجْتِهَاد وَالْأَخْبَار على أَن شرعنا مُنْقَطع بِانْقِطَاع التَّكْلِيف كانقطاع شرع من قبلنَا بالنسخ فدوام كل وَاحِد من الشرعين كدوام الآخر أَو تقارنه فَكَمَا لَا يجب أَن يكون قَول إِحْدَى الامتين حجَّة لم يجب فِي الْأُخْرَى مثله
وَأما من خَالف فِي الْإِجْمَاع فانه يسْلك مسالك ثَلَاثَة أَحدهَا أَن يحِيل وُقُوع الْإِجْمَاع وَالْآخر أَن يحِيل ثُبُوت الطَّرِيق إِلَيْهِ وَالْآخر أَن يَقُول لَيْسَ فِي الْعقل وَلَا فِي السّمع دَلِيل عَلَيْهِ
أما إِحَالَة الْإِجْمَاع فَمن وَجْهَيْن
أَحدهمَا أَن يَقُول يَسْتَحِيل أَن يجوز على كل وَاحِد من الْأمة الْخَطَأ وَلَا يجوز على جَمَاعَتهمْ كَمَا يَسْتَحِيل أَن يكون كل وَاحِد مِنْهُم مصيبا وجماعتهم غير مصيبين وَأَن يكون كل وَاحِد مِنْهُم أسود وجماعتهم غير سود وَالْجَوَاب أَن المستحيل هُوَ أَن يُقَال إِن كل وَاحِد من الامة يجوز كَونه مخطئا فِي القَوْل الَّذِي اتَّفقُوا عَلَيْهِ وجماعتهم غير مخطئين فِيهِ وَلم نقل ذَلِك وَإِنَّمَا نقُول إِن كل وَاحِد مِنْهُم يجوز أَن يكون قَوْله خطأ إِذا انْفَرد وَإِذا اجْتمع مَعَ جمَاعَة الامة لم يكن قَوْله خطأ وَلَيْسَ يمْتَنع أَن يُفَارق الْوَاحِد الْجَمَاعَة أَلا ترى أَن كل وَاحِد مِنْهُم يجوز أَن يَأْكُل الْيَوْم مأكلا مَخْصُوصًا وَلَا يجوز أَن يجتمعوا على أكله فِي ذَلِك الْيَوْم وَنَظِير مَا ذَكرُوهُ أَن نقُول كل وَاحِد مِنْهُم مخطىء وَالْكل فِي ذَلِك القَوْل غير مخطىء وَهُوَ نَظِير قَول الْقَائِل الْكل لَيْسُوا بسود وكل وَاحِد مِنْهُم أسود وَنَظِير قَوْلنَا فِي الْإِجْمَاع أَن نقُول كل وَاحِد من النَّاس

الصفحة 22