كتاب المعتمد في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

آخَرُونَ إِجْمَاع الْعلمَاء حجَّة على من بعدهمْ اتبعهم عوام عصرهم أَو لم يتبعوهم
وَاحْتج الْأَولونَ بِأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ قَول الامة حجَّة لانها بأجمعها معصومة من الْخَطَأ وَلَيْسَ يمْتَنع أَن تكون جَمَاعَتهمْ الْخَاصَّة والعامة معصومة من الْخَطَأ فاذا لم يمْتَنع ذَلِك وَكَانَت ظواهر الْإِجْمَاع تتَنَاوَل الْخَاصَّة والعامة وَجب اشْتِرَاط دُخُول الْعَامَّة وَوَجَب القَوْل بِأَن اللطف إِنَّمَا يثبت للامة بأجمعها وَهَذَا هُوَ الْإِجْمَاع فِي قَوْله تَعَالَى {وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ} وَهَذَا يتَنَاوَل الْعلمَاء وَغَيرهم وَقَوله {كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس} وَقَوله {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا لِتَكُونُوا} الْآيَة كل ذَلِك خطاب مُوَاجهَة يتَنَاوَل جَمِيع من كَانَ فِي ذَلِك الْعَصْر من الامة كالخطاب بالعبادات
وَاحْتج الذاهبون إِلَى القَوْل الثَّانِي بِأَن الْعَامَّة يلْزمهَا الْمصير إِلَى قَول الْعلمَاء فَهُوَ كالمنصرف فِيهَا فَلم يكن بقبولها اعْتِبَار
وَلقَائِل أَن يَقُول وَلم إِذا وَجب عَلَيْهَا الْمصير إِلَى قَول غَيرهَا لَا يعْتَبر بقولِهَا وَمَا أنكرتم أَنه وَإِن وَجب ذَلِك عَلَيْهَا فانه لَا يكون حجَّة من دونهَا وَيُمكن أَن يحْتَج فِي الْمَسْأَلَة أَيْضا فَيُقَال إِن الْأمة إِنَّمَا يكون قَوْلهَا حجَّة إِذا قالته بالاستدلال لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن تحكم بِغَيْر دَلِيل فَهِيَ إِنَّمَا عصمت من الْخَطَأ فِي استدلالها والعامة لَيست من أهل النّظر وَالِاسْتِدْلَال على الْحَوَادِث فتعصم مِنْهُ
فان قَالُوا لَا يمْنَع أَن يكون اللطف ثَابتا لجَماعَة الامة مجتهدها وَغير الْمُجْتَهد مِنْهَا وَلَا يكون لبعضها لطف يَعْصِمهَا من الْخَطَأ قيل إِذا كَانَ اللطف إِنَّمَا يعْصم من الْخَطَأ فِي الِاسْتِدْلَال وَلم يكن من الْعَامَّة اسْتِدْلَال لم يَصح أَن تكون معصومة فِيهِ وَبِهَذَا الْوَجْه يخص ظواهر الْآيَات

الصفحة 26