كتاب المعتمد في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب فِي إِجْمَاع أهل الْأَعْصَار - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
ذهب أَكثر النَّاس إِلَى أَن إِجْمَاع أهل كل عصر حجَّة على من بعدهمْ وَقَالَ أهل الظَّاهِر إِجْمَاع الصَّحَابَة وَحده حجَّة دون غَيرهم من إِجْمَاع أهل الْأَعْصَار
وَدَلِيل الْأَوَّلين أَن أَدِلَّة الْإِجْمَاع لَا تخص عصرا دون عصر لقَوْله تَعَالَى {وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ} والتابعون مُؤمنُونَ وَكَذَلِكَ أهل كل عصر وَقَوله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا} وَقَوله تَعَالَى {كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس} وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تَجْتَمِع أمتِي على الْخَطَأ
والمخالف يحْتَج بأَشْيَاء مِنْهَا الْإِجْمَاع إِنَّمَا عرف كَونه حجَّة بِالشَّرْعِ والأدلة السمعية تخْتَص بالصحابة دون غَيرهم لِأَن قَوْله {كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس} وَقَوله {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا} خطاب مُوَاجهَة يتَنَاوَل ظَاهره الْحَاضِرين وهم الصَّحَابَة دون غَيرهم فَلَا يمْتَنع أَن يكون الله تَعَالَى عناهم بِالْخِطَابِ ليميزهم بِهَذَا الْمَدْح وَقَوله {وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ} يتَنَاوَل الصحاب فَأَما التابعون فالخطاب لَا يتناولهم وحدهم بل يتناولهم مَعَ مَا تقدم من الصَّحَابَة لِأَن الْمُؤمن هُوَ الْمُسْتَحق للثَّواب سِيمَا وَهَذَا الْخطاب خرج مخرج الْمَدْح وَالصَّحَابَة بعد مَوْتهمْ يسْتَحقُّونَ الْمَدْح وَالثَّوَاب وَإِذا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ هم التابعون مَعَ مَا تقدم من الصَّحَابَة فاستحال أَن يكون لمن تقدم من الصَّحَابَة قَول فِي الْحَادِثَة فِي زمن التَّابِعين واستحال أَن يكون لجَماعَة الْمُؤمنِينَ قَول أَو لم يكن إِذْ الْمُخَالف فِي الْحَالَتَيْنِ مُخَالف لبَعض الْمُؤمنِينَ لَا لجميعهم
فان قُلْتُمْ إِذا لم يجز أَن يَعْنِي الله تَعَالَى بقوله {وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ}

الصفحة 27