كتاب المعتمد في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

ذَلِك أَنا إِذا أردنَا تَقْوِيم شَيْء وَجب الرُّجُوع فِيهِ إِلَى أهل الْخِبْرَة بأسعار ذَلِك الشَّيْء وَدَلِيلنَا أَن أَدِلَّة الْإِجْمَاع تتَنَاوَل هَذَا الْإِنْسَان نَحْو قَوْله تَعَالَى {وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ} وَقَوله {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا} وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمتِي لَا تَجْتَمِع على ضلال وَإِنَّمَا أخرجنَا الْعَامَّة من ذَلِك لأَنهم لَيْسُوا بِأَهْل الِاجْتِهَاد وَلَيْسَ كَذَلِك هَذَا الْمُجْتَهد وَبِهَذَا فَارق النُّحَاة وَمَا ذَكرُوهُ من الرُّجُوع فِي التَّقْوِيم إِلَى الْخِبْرَة بأسعار ذَلِك الشَّيْء فَهُوَ حجَّة لنا لأَنا نرْجِع إِلَى من يخبر ذَلِك وَإِن لم يكن مشتهرا بالتقويم وَلَا منتدبا لتقويم الْأَشْيَاء فَكَذَلِك يَنْبَغِي أَن يرجع فِي الْحَوَادِث إِلَى أهل الِاجْتِهَاد وَإِن لم ينتدبوا للْفَتْوَى
وَأما الْفَصْل الرَّابِع وَهُوَ إِجْمَاع أهل الْأَعْصَار فَعِنْدَ أَكثر النَّاس أَن الْحجَّة هِيَ إِجْمَاع أهل الْأَعْصَار كلهم من الْمُجْتَهدين فِي الْعَصْر الْوَاحِد وَحكي عَن مَالك أَنه قَالَ إِجْمَاع أهل الْمَدِينَة وحدهم حجَّة وَقَالَ بعض أَصْحَابه إِنَّمَا جعل نقلهم أولى من نقل غَيرهم دليلنا أَن أَدِلَّة الْإِجْمَاع لَا تتناولهم وحدهم نَحْو اسْم الْمُؤمن وَاسم الامة وَلِأَن الْأَمَاكِن لَا تُؤثر فِي كَون الْأَقْوَال حجَّة وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة طيبَة تخرج خبثها كَمَا يخرج الْكِير خبث الْحَدِيد لَا يدل على أَن إِجْمَاع أَهلهَا حجَّة وَإِنَّمَا هُوَ مدح لَهَا وَلَيْسَ المُرَاد بذلك ذمّ كل من خرج مِنْهَا لإِجْمَاع الْأمة على أَن الْخُرُوج مِنْهَا غير مَذْمُوم وَكَون الْمَدِينَة مهبط الْوَحْي لَا يدل على أَن إِجْمَاع أَهلهَا حق وَأما كَون روايتهم أولى من رِوَايَة غَيرهم فقد ذكر قَاضِي الْقُضَاة فِي الشَّرْح والدرس أَن ذَلِك لَا يمْتَنع وَلَا فرق بَين رِوَايَة الْوَاحِد مِنْهُم وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ أَو بغَيْرهَا وَإِنَّمَا المُرَاد بذلك أَن تكون روايتهم بعد عصر الصَّحَابَة أولى من رِوَايَة غَيرهم لِأَن أهل الْبَلَد أعرف بِمَا يجْرِي فِيهِ من غَيرهم وَأَنه يرجع النَّاس فِي مَعْرفَته إِلَى الْبقْعَة الَّتِي حدث فِيهَا ذَلِك لأَنهم إِمَّا أَن يَكُونُوا شاهدوه أَو أخْبرهُم بِهِ جمَاعَة مِمَّن شاهدوه وَيُمكن فيهم من كَثْرَة المخبرين مَا لَا يُمكن فِي غَيرهم بل غَيرهم يرجع إِلَيْهِم

الصفحة 34