كتاب المعتمد في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب فِيمَا يكون الْإِجْمَاع حجَّة فِيهِ وَمَا لَا يكون حجَّة فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
اعْلَم أَن مَا تجمع الْأمة عَلَيْهِ ضَرْبَان أَحدهمَا لَا يُمكن معرفَة صِحَة الْإِجْمَاع قبل الْمعرفَة بِصِحَّتِهِ وَالْآخر يُمكن معرفَة صِحَة الْإِجْمَاع قبل الْمعرفَة بِصِحَّتِهِ
فَالْأول لَا يَصح الِاحْتِجَاج بِالْإِجْمَاع فِيهِ كالإجماع على أَن الله تَعَالَى حَكِيم عَادل وَأَن مُحَمَّدًا نَبِي لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُمكن أَن تعرف صِحَة الْإِجْمَاع بعد أَن يعرف أَن الله تَعَالَى أَو رَسُوله قد شهد بِأَن الْإِجْمَاع حق وأنهما لَا يَشْهَدَانِ بِشَيْء إِلَّا وَهُوَ على مَا شَهدا بِهِ وَإِنَّمَا يعرف ذَلِك إِذا عرفت حِكْمَة الله تَعَالَى وَأَنه لَا يفعل الْقَبِيح وَأَن مُحَمَّدًا صَادِق ليعلم صدقه فِي إخْبَاره أَن الْقُرْآن كَلَام الله تَعَالَى حَتَّى يعلم أَن مَا فِيهِ من الْآيَات الدَّالَّة على الْإِجْمَاع من قبل الله تَعَالَى فاذا كَانَت الْمعرفَة بِصِحَّة الْإِجْمَاع لَا يُمكن أَن تتقدم على الْمعرفَة بِاللَّه وبحكمته وَصدق رَسُوله لم يَصح الِاسْتِدْلَال بِهِ على ذَلِك إِذْ من حق الدَّلِيل أَن يُعلمهُ الْمُسْتَدلّ على الْوَجْه الَّذِي يدل عَلَيْهِ قبل علمه بالمدلول
فَأَما مَا يُمكن أَن يعرف صِحَة الْإِجْمَاع قبل الْمعرفَة بِهِ فَهُوَ ضَرْبَان أَحدهمَا من أُمُور الدُّنْيَا وَالْآخر من أُمُور الدّين فَالْأول نَحْو أَن يجتمعوا أَنه لَا يجوز الْحَرْب فِي مَوضِع معِين ذكر قَاضِي الْقُضَاة أَنه يجوز لمن بعدهمْ مخالفتهم فِي ذَلِك لِأَن حَالهم فِي ذَلِك لَيست بأعظم من حَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعْلُوم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو رأى رَأيا فِي الْحَرْب لساغ مُرَاجعَته فِيهِ وَلَيْسَ إِجْمَاعهم على إِمَامَة أبي بكر من هَذَا الْقَبِيل لِأَن ذَلِك من أُمُور الدّين وَذكر فِي كتاب النِّهَايَة أَنه لَا يجوز مخالفتهم لِأَن أَدِلَّة الْإِجْمَاع منعت من الْخلاف عَلَيْهِم وَلم يفصل بَين أَن يكون قد اتَّفقُوا على أَمر ديني أَو دنياوي ويفارقون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن الَّذِي منع من جَوَاز الْخَطَأ عَلَيْهِ هُوَ المعجز وَذَلِكَ لَا يتَعَلَّق بِأُمُور الدُّنْيَا وَلَيْسَ كَذَلِك الْأمة فَأَما أُمُور الدّين فانه يكون اتِّفَاقهم حجَّة فِيهِ سَوَاء كَانَ عقليا نَحْو

الصفحة 35