كتاب المعتمد في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

رُؤْيَة الله تَعَالَى لَا فِي جِهَة وَنفي ثَان مثله أَو كَانَ شرعيان لِأَنَّهُ يُمكن الْعلم بِصِحَّة الْإِجْمَاع قبل الْعلم بذلك إِذْ الشَّك فِي ذَلِك لَا يخل بِالْعلمِ بِاللَّه تَعَالَى وحكمته وَصدق نبيه وَلَا فرق بَين أَن يكون القَوْل صادرا عَن اجْتِهَاد عَن أَمَارَات أَو اسْتِدْلَالا بأدلة وَلَا فرق بَين أَن يكون قد تقدم ذَلِك الْإِجْمَاع اخْتِلَاف أَو لم يتقدمه اخْتِلَاف وسنتكلم فِي كلا الْمَوْضِعَيْنِ إِن شَاءَ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب فِي أَن الْإِجْمَاع إِذا انْعَقَد عَن اجْتِهَاد كَانَ حجَّة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
ذكر قَاضِي الْقُضَاة عَن الْحَاكِم صَاحب الْمُخْتَصر أَنه قَالَ إِذا انْعَقَد الْإِجْمَاع لأهل الْعَصْر عَن اجْتِهَاد جَازَ لمن بعدهمْ ان يخالفهم فِيهِ وَعِنْدنَا أَنه حجَّة يحرم خِلَافه لقَوْله تَعَالَى {وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ} فاذا اجْتَمعُوا على الحكم بِالِاجْتِهَادِ فخلافه لَيْسَ هُوَ سبيلهم فَلم يجز اتِّبَاعه
فان قيل إِنَّمَا لم يكن سبيلهم لِأَنَّهُ لم يؤد الِاجْتِهَاد إِلَيْهِ فاذا أدّى إِلَيْهِ الِاجْتِهَاد كَانَ سبيلهم وَإِن كَانَ ذَلِك الِاجْتِهَاد اجْتِهَاد غَيرهم وَالْجَوَاب أَن ذَلِك شَرط لَا دَلِيل عَلَيْهِ فَلم يجز إثْبَاته وَلَو جَازَ مَا ذَكرُوهُ لجَاز أَن يُقَال فِيمَا أَجمعُوا عَلَيْهِ عَن دَلِيل إِنَّه سبيلهم بِشَرْط أَن يُؤَدِّي الِاسْتِدْلَال إِلَيْهِ وخلافه لَيْسَ هُوَ سبيلهم إِن لم يؤد الِاسْتِدْلَال إِلَيْهِ فَإِن أدّى الِاسْتِدْلَال إِلَيْهِ كَانَ سبيلهم وَإِن كَانَ ذَلِك الِاسْتِدْلَال اسْتِدْلَال غَيرهم فَيبْطل التَّعَلُّق بِالْإِجْمَاع أصلا
فان قيل أَلَيْسَ لَو اتَّفقُوا على الحكم اجْتِهَادًا وَلم يعلم كل وَاحِد مِنْهُم أَن غَيره قد وَافقه جَازَ لكل وَاحِد مِنْهُم مُخَالفَة ذَلِك الحكم وَلَا يَأْثَم من خَالفه فقد صَار جَوَاز مُخَالفَة ذَلِك الحكم سبيلهم بأجمعهم قيل هَذَا لَازم فيهم إِذا أَجمعُوا على الحكم بالأدلة

الصفحة 36