كتاب المعتمد في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

لَو جَازَ ذَلِك لجَاز أَن يخالفهم رجل وَاحِد ولجاز أَن يَنْضَم إِلَيْهِ غَيره إِلَى أَن يتَّفق أهل الْعَصْر الثَّانِي على خلاف قَول الْأَوَّلين وَقَوله تَعَالَى {وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ} يمْنَع من أَن يتبع أهل الْعَصْر الثَّانِي غير سبيلهم وَلِأَن الْمَسْأَلَة إِن لم تكن من مسَائِل الِاجْتِهَاد فخلاف مَا اجْتمع عَلَيْهِ أهل الْعَصْر الأول فِيهَا ضَلَالَة والامة لَا تَجْتَمِع على ضَلَالَة فَأَما إِذا اخْتلف أهل الْعَصْر فِي الْمَسْأَلَة على قَوْلَيْنِ فانه يجوز أَن يتَّفق من بعدهمْ على أَحدهمَا فاذا اتَّفقُوا كَانَ صَوَابا وَحجَّة مُحرمَة للأخذ بالْقَوْل الآخر
وَفِي كلا الْمَوْضِعَيْنِ اخْتِلَاف أما جَوَاز اتِّفَاق من بعدهمْ على أحد الْقَوْلَيْنِ فقد منع مِنْهُ قوم ظنا مِنْهُم أَن اخْتِلَاف من تقدم فِي ضمنه الْإِجْمَاع على جَوَاز الْأَخْذ بِكُل وَاحِد من الْقَوْلَيْنِ على الاطلاق فأدخلوا فِي الْإِجْمَاع مَا لَيْسَ مِنْهُ وَهَذَا سَنذكرُهُ عِنْد الْكَلَام فِيمَا ألحق بِالْإِجْمَاع وَلَيْسَ هُوَ مِنْهُ وَأما إِذا اتَّفقُوا على أحد الْقَوْلَيْنِ فقد حكى قَاضِي الْقُضَاة فِي الْعمد عَن بعض الْمُتَكَلِّمين وَبَعض أَصْحَاب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ أَنه لَا يكون حجَّة فِي تَحْرِيك القَوْل الآخر وَحكي عَن شَيخنَا أبي عبد الله وَأبي الْحسن وَبَعض أَصْحَاب الشَّافِعِي أَنه يكون حجَّة فِي تَحْرِيم القَوْل الآخر وَذكر فِي الشَّرْح أَن النَّاس اخْتلفُوا فِي ذَلِك فَمنهمْ من جعل ذَلِك محرما للْخلاف على كل حَال وَمِنْهُم من لم يَجعله محرما للْخلاف على كل حَال وَلم يفصل بَين الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمِنْهُم من جعله محرما للْخلاف فِي حَال دون حَال وَالْحَال الَّتِي يحرم فِيهَا الْخلاف هِيَ أَن يكون المتفقون على أحد الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَة هم الَّذين اخْتلفُوا فِيهَا سَوَاء كَانَ ذَلِك عصر الصَّحَابَة أَو غَيرهم وَالْحَال الَّتِي لَا يكون اتِّفَاقهم مَعهَا حجَّة مزيلة للْخلاف هِيَ أَن يخْتَلف أهل عصر ويتفق من بعدهمْ على أحد قوليهم
وَالدَّلِيل على أَن الِاتِّفَاق يحرم الِاخْتِلَاف على جَمِيع الْأَحْوَال قَوْله تَعَالَى {وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ} وَقَوله {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا}

الصفحة 38