كتاب المعتمد في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

الصَّوْم بنية بعد الْفجْر فاذا لم تغير الشَّرِيعَة ذَلِك وَجب أَن يبْقى على مَا كَانَ عَلَيْهِ قيل إِنَّمَا كَانَ يجب ذَلِك لَو ورد فِي ذَلِك لفظ عُمُوم نَحْو أَن يُقَال كل صَوْم شَرْعِي فانه يَصح بنية بعد الْفجْر وَقبل الزَّوَال فَأَما إِذا قيل هَذَا الصَّوْم الْوَاقِع فِي صَوْم عَاشُورَاء يَصح بنية بعد الْفجْر فانه لَا يجب مثله فِي صَوْم زمَان آخر لِأَن ذَلِك عبَادَة أُخْرَى وَلَا يجب أَن تتفق الْعِبَادَات فِي شَرَائِط صِحَّتهَا بل ذَلِك مَوْقُوف على دَلِيل زَائِد على مَا دلّ على أَن النِّيَّة بعد الْفجْر لَا تمنع من صِحَة صَوْم عَاشُورَاء
فان قَالُوا فَمَا يؤمنكم أَن يكون مَا دلّ على صِحَة صَوْم عَاشُورَاء بنية بعد الْفجْر هُوَ لفظ عُمُوم يَشْمَل كل صَوْم شَرْعِي فِي الْحَال وَفِيمَا يتعبد بِهِ فِيمَا بعد قيل إِذا كَانَ ذَلِك غير مَأْمُون وَكَذَلِكَ خِلَافه وَجب على من أثبت أَحدهمَا ليدل بِهِ على أَن النِّيَّة بعد الْفجْر يَصح بهَا صَوْم شهر رَمَضَان أَن يدل على مَا يبْنى ذَلِك عَلَيْهِ وَمَتى لم يبين ذَلِك لم يَصح دَلِيله وَيَكْفِي من قصد الطعْن عِلّة أَن يشكله فِيمَا بنى عَلَيْهِ دَلِيله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب فِي العمومين إِذا تَعَارضا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
إِذا تعَارض العمومان من وَجه دون وَجه بِأَن يكون كل وَاحِد مِنْهُمَا عَاما فِيمَا الآخر خَاص فِيهِ فقد ذكرنَا فِي الْكتاب أَنه إِن علم تقدم أَحدهمَا على صَاحبه وَكَانَا معلومين أَو مظنونين أَو كَانَ الْمُتَقَدّم مِنْهُم مظنونا والمتأخر مَعْلُوما فانه يَجِيء على قَول من جعل الْعَام الْمُتَأَخر نَاسِخا للخاص الْمُتَقَدّم أَن يكون الْمُتَأَخر من هذَيْن العمومين نَاسِخا للمتقدم لِأَنَّهُ إِذا كَانَ عِنْدهم أَن الْعَام مُتَأَخّر ينْسَخ الْخَاص الْمُتَقَدّم فِيمَا لم يثبت كَونه أَعم من اللَّفْظ الْمُتَقَدّم أولى بِأَن يكون نَاسِخا وَهَذَا صَحِيح لِأَن هَذَا الْعُمُوم الْمُتَأَخر إِن كَانَ أَعم من الْمُتَقَدّم فقد أطْلقُوا القَوْل بِأَن الْعَام الْمُتَأَخر ينْسَخ الْخَاص الْمُتَقَدّم وَلم يبنوا الْعَام الْمُتَأَخر على الْخَاص الْمُتَقَدّم وَإِن كَانَ هَذَا الْعُمُوم الْمُتَأَخر هُوَ أخص من الْعَام الْمُتَقَدّم فَمن قَوْلهم إِنَّه يخرج ماتناوله من الْعُمُوم الْمُتَقَدّم على جِهَة النّسخ لَا على جِهَة التَّخْصِيص لِأَن بَيَان التَّخْصِيص لَا يتَأَخَّر عِنْدهم أَو عِنْد

الصفحة 428