كتاب المعتمد في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

أَكْثَرهم وَلَيْسَ هَهُنَا مَا يَقْتَضِي أَن يحكم بِأَنَّهُ قد كَانَ قَارن الْعَام مَا دلّ على تَخْصِيصه فَلذَلِك جعلُوا الْمُتَأَخر نَاسِخا للمتقدم
ثمَّ قُلْنَا وَإِن كَانَ الْمُتَقَدّم مَعْلُوما والمتأخر مظنونا لم يجز عِنْدهم أَن ينْسَخ الثَّانِي الأول وَوَجَب الرُّجُوع فيهمَا إِلَى التَّرْجِيح لِأَن المظنون لَا ينْسَخ الْمَعْلُوم وَإِذا لم يكن الثَّانِي مِنْهُمَا نَاسِخا وَأمكن اسْتِعْمَاله مَعَ التَّرْجِيح وَجب الرُّجُوع إِلَى التَّرْجِيح وَهَذَا صَحِيح وَذَلِكَ أَنه لَا يُمكن بِمُجَرَّد هَذَا التَّعَارُض النّسخ لِأَن النّسخ إِنَّمَا يكون بالشَّيْء الْمُتَأَخر والمتأخر من هذَيْن العمومين مظنون والمتقدم مِنْهَا مَعْلُوم والمظنون لَا ينْسَخ الْمَعْلُوم وَلَا يُمكن أَيْضا لمُجَرّد هَذَا التَّعَارُض أَن نخرج من أَحدهمَا مَا تنَاوله الآخر لأجل أَن الآخر أخص لِأَنَّهُ لَيْسَ يتَخَلَّص كَون أَحدهمَا أخص من الآخر فقد بَان أَنه لَا يُمكن بِمُجَرَّد هَذَا التَّعَارُض لَا نسخ وَلَا تَخْصِيص فَوَجَبَ التَّرْجِيح فان رجحنا الْمَعْلُوم مِنْهُمَا بِكَوْنِهِ مَعْلُوما وَلم يثبت فِي المظنون وَجه تَرْجِيح استعملنا الْمَعْلُوم وأخرجنا مَا تنَاوله من المظنون لَا لمُجَرّد التَّعَارُض وَأَن لمعلوم أخص بل لأجل التَّرْجِيح وَإِن رجحنا المظنون مِنْهُمَا بِكَوْنِهِ مَعْلُوما وَلم يثبت فِي المظنون وَجه تَرْجِيح استعملنا الْمَعْلُوم وأخرجنا مَا تنَاوله من المظنون لَا لمُجَرّد التَّعَارُض وَأَن الْمَعْلُوم أخص بل لأجل التَّرْجِيح وَإِن رجحنا المظنون لِأَن حكمه حظر أَو إِيجَاب أخرجنَا مَا تنَاوله من الْمَعْلُوم لأجل التَّرْجِيح أَيْضا واستدللنا بذلك على أَنه قد كَانَ قَارب الْعُمُوم الْمُتَقَدّم مَا دلّ على تَخْصِيصه وَإِخْرَاج ذَلِك الْقدر مِنْهُ لِأَنَّهُ إِن لم يُمكن كَذَلِك كَانَ الثَّانِي نَاسِخا وَلَا يجوز نسخ الْمَعْلُوم بالمظنون
ثمَّ قُلْنَا فَأَما من يَقُول إِن الْعَام الْمُتَأَخر يبْنى على الْخَاص الْمُتَقَدّم وَأَن الْخَاص الْمُتَأَخر يخرج بعض مَا دخل تَحت الْعَام الْمُتَقَدّم فَالَّذِي يَجِيء على مذْهبه أَن لَا يفرق بَين أَن يَكُونَا معلومين أَو مظنونين أَو أَحدهمَا مَعْلُوما وَالْآخر مظنونا فِي اسْتِعْمَال التَّرْجِيح وَترك النّسخ بِأَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ يتَخَلَّص كَون الْمُتَأَخر أخص من الْمُتَقَدّم فَيخرج من الْمُتَقَدّم مَا دخل تَحت الْمُتَأَخر وَهَذَا صَحِيح لأَنا اردنا أَنه لَا يثبت عِنْدهم بِمُجَرَّد هَذَا التَّعَارُض إِخْرَاج مَا تنَاوله أَحدهمَا من الآخر لَا على جِهَة النّسخ وَلَا على جِهَة التَّخْصِيص وَالْبناء اما النّسخ فَلِأَن عِنْدهم أَن الْعَام الْمُتَأَخر لَا ينْسَخ الْخَاص الْمُتَقَدّم بل يبْنى على

الصفحة 429