كتاب المعتمد في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

الْمُؤمنِينَ قيل إِذا فَعلْتُمْ ذَلِك تركْتُم الظَّاهِر من وَجْهَيْن
أَحدهمَا أَنكُمْ تحملون الْكَلَام على التّكْرَار وَنحن نحمله على فَائِدَة محدودة وَذَلِكَ أَن سَبِيل الْمُؤمنِينَ فِي الْجُمْلَة قد دخل فِي ترك مشاقة الرَّسُول فزجره عز وَجل عَن مشاقة الرَّسُول هُوَ زجر عَن اتِّبَاع سَبِيل الْمُؤمنِينَ لأَنا قد علمنَا أَن مشاقته لَيست سَبِيل الْمُؤمنِينَ
وَالْآخر انكم إِذا حملتم الاية على مُؤمنين موصوفين احتجتم إِلَى إِضْمَار حَتَّى يكون تَقْدِير الْكَلَام وَيتبع سَبِيلا من حَقّهَا أَن تكون غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ أَو من حق الْمُؤمنِينَ أَن لَا يسلكوها وَإِذا حملنَا نَحن الْإِيمَان على الْإِيمَان اللّغَوِيّ كُنَّا تاركين للظَّاهِر من وَجه وَاحِد وَقَول الْخصم إِنَّكُم لَا تحملون الْآيَة على مُؤمنين على الْحَقِيقَة بل على مُؤمنين بِحَسب ظنكم لَا يَصح لأَنا إِذا حملنَا ذَلِك على التَّصْدِيق فَنحْن نعلم أَنه لَا يجوز أَن يكون أهل كل عصر على كثرتهم يخبرون أَنهم يُؤمنُونَ بِمَا جَاءَ بِهِ الْإِسْلَام وَلَيْسَ فيهم من يصدق بذلك أصلا أَو لَيْسَ فيهم من يصدق بذلك إِلَّا الْوَاحِد والاثنان بل نعلم أَن الْكثير مِنْهُم كَذَلِك ونظن أَن الْكل كَذَلِك
دَلِيل آخر قَول الله عز وَجل {فَإِن تنازعتم فِي شَيْء فَردُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُول} فَاقْتضى هَذَا الشَّرْط أَنهم إِن لم يتنازعوا لَا يجب الرَّد إِلَى كتاب الله وَسنة نبيه وَلقَائِل أَن يَقُول إِن اراد الله بقوله {فَإِن تنازعتم فِي شَيْء} أهل عصر وَاحِد فَلَيْسَ يَخْلُو إِذا لم يتنازعوا إِمَّا أَن يَكُونُوا لم يردوا إِلَى الله وَالرَّسُول فَلَا يجب اتباعهم وَلَا يكون قَوْلهم صَحِيحا وَإِمَّا أَن يَكُونُوا ردوا إِلَى الله وَالرَّسُول فَلَا يَصح أَن يبيحهم ترك الرَّد إِلَى كتاب الله وَسنة نبيه لِأَن ردهم الشَّيْء إِلَى الله وَرَسُوله هُوَ طلب حكمه فِي الْكتاب وَالسّنة فاذا طلبوه فيهمَا فوجدوه فيهمَا لم يَصح طلبه من بعد لِأَن طلب الْإِنْسَان لما هُوَ وَاجِد لَهُ محَال وَإِبَاحَة ترك الْمحَال عَبث وَإِن كَانَ المُرَاد بِالْآيَةِ أهل الْعَصْر الثَّانِي مَعَ أهل الْعَصْر الأول لم يَصح القَوْل بذلك لِأَن قَوْله فَإِن تنازعتم مُوَاجهَة لمن ترك الْقُرْآن وَهُوَ حَاضر فَعلمنَا أَن المُرَاد بذلك تنَازع

الصفحة 432