كتاب المعتمد في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب التَّعَبُّد بالْخبر الْوَاحِد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
إِن قيل لَا يمْتَنع أَن يكون بعض الصَّحَابَة عمل على الْخَبَر الْوَاحِد وَلم يُنكر عَلَيْهِ غَيره لِأَن غَيره كَانَ نَاظرا متوقفا فِي وجوب الْعَمَل بِهِ فَلذَلِك لم يُنكره وَلَيْسَ فِي ذَلِك اتِّفَاق مِنْهُم على ترك الْوَاجِب لأَنهم وَإِن اتَّفقُوا على ترك إِنْكَار الْعَمَل بذلك مَعَ أَن الْعَمَل بِهِ مُنكر فِي نَفسه فانهم لم يتفقوا على ترك الْوَاجِب لِأَن هَؤُلَاءِ الناظرين لَا يجب عَلَيْهِم الْإِنْكَار لأَنهم ناظرون الْجَواب إِن الله عز وَجل إِذا كلف الْمُجْتَهدين أَن يعرفوا هَل تعبدهم بِالْعَمَلِ بأخبار الْآحَاد أم لَا فَلَا بُد من أَن يمْضِي عَلَيْهِم من الزَّمَان مَا يتمكنون فِيهِ من الْوُصُول إِلَى مَا كلفهم فاذا مضى هَذَا الزَّمَان وَلم ينكروا الْعَمَل بأخبار الْآحَاد فَلَو كَانَ الْعَمَل بهَا مُنْكرا لكانوا قد أَجمعُوا على ترك الْوَاجِب إِذْ الْإِنْكَار وَاجِب
دَلِيل وُرُود التَّعَبُّد بِخَبَر الْوَاحِد هُوَ أَنه لَا يجوز أَن يكون مَا رُوِيَ من أَخْبَار الْآحَاد على كثرتها لم يقل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا مِنْهَا بل يَنْبَغِي أَن يكون جَمِيعهَا أَو كثير مِنْهَا قد قَالَه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَيْسَ يجوز أَن يكون مَا قَالَه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ذَلِك تعبدا لمن شافهه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دون من لم يشافهه لِأَن الْإِجْمَاع بِخِلَاف ذَلِك وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لبين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن التَّعَبُّد بذلك مَقْصُور على من شافهه دون من لم يشافهه وَلم بَين ذَلِك فِي هَذِه الْأَخْبَار مَعَ كثرتها وَمَعَ إشاعته لهَذَا الْبَيَان لما جَازَ أَن ينكتم ذَلِك وَلَا ينْقل فَثَبت أَن التَّعَبُّد بذلك يتَوَجَّه إِلَى من شافهه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن لم يشافهه مِمَّن يَأْتِي بعده وَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد شافه بهَا من يكون نَقله متواترا وَإِمَّا أَن يكون شافه بذلك الْآحَاد وَالْأول يَقْتَضِي أَن ينْقل عَنهُ متواترا لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يشيع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حكما عَاما فَلَا ينْقل متواترا فَثَبت أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شافه بِهَذِهِ الْأَخْبَار الْآحَاد فَلَو كَانَ الْعَمَل بهَا لَا يلْزمنَا إِلَّا بِنَقْل متواتر لَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد تعبدنا بِمَا لم يَجْعَل لنا طَرِيقا إِلَى أَن تعبدنا بِهِ فان قيل لَيْسَ يجب إِذا أشاع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْخَبَر بِحَضْرَة من يكون نَقله

الصفحة 437