كتاب المعتمد في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

متواترا أَن ينقلوه متواترا لِأَن الْإِنْسَان قد يتَكَلَّم بأنواع كَثِيرَة من الْكَلَام بِحَضْرَة الْجَمَاعَات الْكَثِيرَة فَلَا تنقل جَمَاعَتهمْ عَنهُ كل مَا تكلم بِهِ بل قد يروي الْوَاحِد عَنهُ شَيْئا وَالْآخر عَنهُ شَيْئا آخر فَلم زعمتم أَنه يجب مَا ذكرْتُمْ قيل لَو لم ينقلوه متواترا مَعَ وجوب ذَلِك عَلَيْهِم لكانوا قد أَجمعُوا على ترك النكير مَعَ وجوب النكير عَلَيْهِم لِأَن النَّاقِل لم يُنكر على من لم ينْقل وَمن لم ينْقل فمعلوم أَنه لم يُنكر ترك النَّقْل وَلقَائِل أَن يَقُول جوزوا أَن يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد شافه بالحكم من يحجّ نَقله وهم بعض الامة وَلَيْسَ خطأهم هُوَ خطأ جَمِيع الْأمة جَوَاب آخر عَن السُّؤَال وَهُوَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو كَانَ شافه بِهَذِهِ الْأَخْبَار من يتواتر الْخَبَر بنقله وَكَانَ من دينه الْعَمَل بالمتواتر من الْأَخْبَار دون الْآحَاد لَكَانَ قد أوجب عَلَيْهِم التَّوَاتُر وأعلمهم بذلك وَلَا يجوز فِي الْعَادة أَن يتدين الْجَمَاعَة الْعَظِيمَة بِوُجُوب نقل كَلَام رجل ويكونوا على غَايَة الْحِرْص على نقل كَلَامه وأحواله وَيُوجب عَلَيْهِم ذَلِك وَلَا ينْقل الْجَمَاعَة كَلَامه الَّذِي شاع فيهم واعتقدوا وجوب نَقله عَلَيْهِم لِأَن مَا هم عَلَيْهِ من شدَّة الْحِرْص على نقل كَلَامه يمْنَع من ذَلِك وَيُفَارق ذَلِك سَماع الْجَمَاعَات الْكَثِيرَة أَنْوَاع الْكَلَام من الْوَاحِد منا لِأَنَّهَا غير حريصة على نقل كَلَام الْوَاحِد منا فان كَانَ لَهَا فِي ذَلِك غَرَض وَاشْتَدَّ حرصها عَلَيْهِ وَجب أَن تنقله فَأَما كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأحواله فقد علمنَا من حَال الصَّدْر الأول شدَّة الْحِرْص على نَقله حَتَّى نقلوا مِنْهُ مَا لَا يتَعَلَّق بِهِ حكم
فان قيل أَلَيْسَ قد رُوِيَ عَنهُ بالآحاد أَخْبَار كَثِيرَة فِي التَّوْحِيد وَالْعدْل والوعيد والشفاعة وَغير ذَلِك مِمَّا يتَضَمَّن علما لَا عملا وَلَا يجوز أَن يكون صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا قَالَ شَيْئا من ذَلِك لكثرته فَيجب أَن يكون قد قَالَه أَو بعضه فان كَانَ قد قَالَه عَن الْجَمَاعَة الْعَظِيمَة وَلم تنقله متواترا فقد انْتقض قَوْلكُم إِن مَا يشيعه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يجب أَن ينْقل عَنهُ متواترا وَإِن لم يشعه كَانَ قد اقْتصر على الْوَاحِد فِيمَا لَا يكون خبر الْوَاحِد حجَّة فِيهِ قيل إِن مَا رُوِيَ عَنهُ من ذَلِك لَا يداني مَا رُوِيَ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة وَأَيْضًا فَمَا

الصفحة 438