كتاب المعتمد في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

انْقِرَاض الْعَصْر لأَنا نفصل بَين النَّاظر المتأمل المتوقف وَبَين الْقَاطِع المناضل لِأَن الْإِنْسَان إِذا أخبر عَن نَفسه أَنه مُعْتَقد للشَّيْء فَهُوَ بِخِلَاف أَن يخبر عَن نَفسه أَنه متأمل مُتَوَقف - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب فِيمَا أخرج من الْإِجْمَاع وَهُوَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
أعلم أَن أهل الْعَصْر إِذا اخْتلفُوا فِي الْمَسْأَلَة على قَوْلَيْنِ متنافيين فَإِنَّهُ يتَضَمَّن اتِّفَاقهم على تخطئة مَا سواهُمَا فَلَا يجوز لمن بعدهمْ إِحْدَاث قَول آخر وَحكي عَن بعض أهل الظَّاهِر أَنه لم يَجْعَل ذَلِك اتِّفَاقًا على تخطئة مَا سواهُمَا فَأجَاز لمن بعدهمْ إِحْدَاث قَول آخر ثَالِث وَالْقَوْل فِي ذَلِك فرع على إِمْكَان إِحْدَاث قَول ثَالِث فَيجب بَيَانه أَولا
فَنَقُول إِن الْقَوْلَيْنِ المتنافيين فِي الْمَسْأَلَة لَا يُمكن أَن يكون بَينهمَا قَول ثَالِث إِلَّا أَن يكون فِيهِ بعض الْمُوَافقَة لكل وَاحِد من الْقَوْلَيْنِ أَو لأَحَدهمَا مِثَاله أَن يَقُول بعض الْأمة النِّيَّة وَاجِبَة فِي الطهارات كلهَا وَيَقُول الْبَاقُونَ لَيست بواجبة فِي شَيْء من الطهارات فَيمكن أَن يَقُول قَائِل هِيَ وَاجِبَة فِي بعض الطهارات دون بعض ومثاله أَيْضا أَن يَقُول بعض الْأمة النِّيَّة وَاجِبَة فِي كل طَهَارَة وَيَقُول بَعضهم هِيَ وَاجِبَة فِي بعض الطهارات دون بعض فَيمكن أَن يَقُول قَائِل لَيست بواجبة فِي شَيْء من الطهارات ومثاله أَيْضا قَول بعض الْأمة الْجد يَرث جَمِيع المَال مَعَ الْأَخ وَفِي قَول البَاقِينَ يقاسم الْأَخ فَيمكن أَن يَقُول قَائِل لَا يَرث شَيْئا أصلا مَعَ الْأَخ فَيكون قد وَافق من قَالَ يقاسم الْأَخ بعض الْمُوَافقَة لِأَنَّهُمَا قد اشْتَركَا فِي أَن منعا الْجد من بعض المَال
وَاحْتج من أجَاز إِحْدَاث قَول ثَالِث بِأَن الْمَمْنُوع مِنْهُ هُوَ مُخَالفَة الْإِجْمَاع وَلَيْسَ مَعَ هَذَا الإختلاف إِجْمَاع وَلِأَنَّهُ رُوِيَ عَن ابْن سِيرِين أَنه قَالَ فِي امْرَأَة وأبوين إِن للْأُم ثلث جَمِيع المَال وَأَن لَهَا ثلث مَا يبْقى فِي زوج وأبوين

الصفحة 44