كتاب المعتمد في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

ففصل بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ وَلم يُنكر عَلَيْهِ مَعَ أَن الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُمَا لم تفصل بَينهمَا بل قَالَ بَعضهم فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لَهَا ثلث مَا بَقِي وَقَالَ آخَرُونَ لَهَا ثلث جَمِيع المَال وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ إِن الْأكل نَاسِيا لَا يفْطر وَالْجِمَاع نَاسِيا يفْطر وَمن تقدمه مِنْهُم من فطر بهما وَمِنْهُم من لم يفْطر بهما وَهَذَا الِاحْتِجَاج من الْمُخَالف يدل على أَنه أجَاز إِحْدَاث قَول ثَالِث فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لَا فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة
وَاحْتج قَاضِي الْقُضَاة للْمَنْع من إِحْدَاث قَول ثَالِث بِأَن الْأمة أَجمعت على الْمَنْع من ذَلِك كَمَا أَجمعت على الْمَنْع من إِحْدَاث قَول يُخَالف الْإِجْمَاع الْمُصَرّح والاتفاق على ذَلِك سَابق أَلا تراهم منعُوا من إِحْدَاث قَول آخر فِي الْجد مَعَ الْأَخ حَتَّى يُقَال المَال كُله للْأَخ قَالَ وَلنَا أَن ندعي الْإِجْمَاع فِي ذَلِك مُطلقًا وَلنَا أَن ندعيه فِي الْجد خَاصَّة ونحمل عَلَيْهِ غَيره فَنَقُول إِنَّمَا منعُوا من ذَلِك فِي الْجد لِأَنَّهُ إِحْدَاث قَول آخر لم يقل بِهِ أحد من الْأمة لِأَنَّهُ لَا وَجه لَهُ يُمكن أَن يُعلل فِيهِ إِلَّا بِمَا ذَكرْنَاهُ إِذْ لَا يُمكن أَن يُقَال إِنَّمَا لم يجز أَن يُقَال المَال كُله للْأَخ لِأَنَّهُ لَا أَمارَة لذَلِك لِأَن الأمارة على ذَلِك إِن لم تكن أقوى من الأمارة الدَّالَّة على أَن المَال كُله للْجدّ لم تكن أَضْعَف مِنْهَا
وَلقَائِل أَن يَقُول لَا اسْلَمْ أَن فِي الْمَنْع من إِحْدَاث قَول ثَالِث إِجْمَاعًا سَابِقًا وَلَا سَبِيل لكم إِلَى الْعلم بذلك فَأَما مَسْأَلَة الْجد فَلَا يجوز تَجْدِيد قَول آخر فِيهَا لَيْسَ لأَنهم أَجمعُوا على الْمَنْع من ذَلِك بل لِأَن القَوْل بِأَن المَال كُله للْأَخ يتَضَمَّن مَا أَجمعُوا على خِلَافه
وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِأَن الْأمة إِذا اخْتلفت على قَوْلَيْنِ فقد أَجمعت فِي الْمَعْنى على الْمَنْع من إِحْدَاث قَول ثَالِث لِأَن كل طَائِفَة تحرم الْأَخْذ إِلَّا بِمَا قالته أَو قَالَه مخالفها فَقَط فجواز إِحْدَاث قَول ثَالِث يَقْتَضِي جَوَاز الْأَخْذ بِهِ وَقد منعُوا مِنْهُ
وَلقَائِل أَن يَقُول إِنَّمَا حظروا الْأَخْذ إِلَّا بِمَا قَالُوهُ بِشَرْط أَن لَا يُؤَدِّي

الصفحة 45