كتاب المعتمد في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

على ذَلِك لَكِن لَا يكون فيهم من فرق بَينهمَا فِي الحكم فَالْأول لَا يجوز لأحد أَن يفصل بَينهمَا لِأَن الْفَصْل بَينهمَا خلاف لما نصوا عَلَيْهِ واعتقدوه وَلِأَن قَوْلهم لَا فصل بَينهمَا ظَاهره يَقْتَضِي أَنَّهُمَا قد اشْتَركَا فِيمَا يَقْتَضِي الحكم من غير وَجه يفرق بَينهمَا فَمن فصل بَينهمَا فقد خالفهم فِي ذَلِك
وَهَذَا الضَّرْب يَنْقَسِم أقساما ثَلَاثَة أَحدهمَا أَن يرْوى اتِّفَاق الْأمة على حكم الْمَسْأَلَتَيْنِ نَحْو أَن يحكموا فيهمَا بِالتَّحْرِيمِ أَو بالتحليل وَالْآخر أَن يرْوى اخْتِلَاف الْأمة فيهمَا فيحكى عَن طَائِفَة أَنَّهَا حكمت فيهمَا بِالتَّحْرِيمِ وَعَن البَاقِينَ أَنهم حكمُوا فيهمَا بِالْإِبَاحَةِ وَالْآخر أَن لَا يرْوى لنا عَنْهُم اخْتِلَاف فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَلَا اتِّفَاق فَمَتَى كَانَ كَذَلِك وَدلّ الدَّلِيل فِي إِحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ على تَحْرِيم أَو إِبَاحَة وَجب أَن يحكم فِي الْمَسْأَلَة الْأُخْرَى بذلك وَلَا يفرق بَينهمَا
فَأَما إِذا لم ينصوا على أَنه لَا فصل بَينهمَا بل لَا يكون فيهم من فرق بَينهمَا نَحْو أَن يحكم بعض الْأمة فِي كلا الْمَسْأَلَتَيْنِ بِحكم وَيحكم الْبَاقُونَ فيهمَا بنقيضه وَذَلِكَ ضَرْبَان أَحدهمَا أَن يشيروا إِلَى حكم وَاحِد فيثبته أحد الْفَرِيقَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وينفيه الْآخرُونَ عَنْهُمَا نَحْو أَن يحرم شطر الْأمة كلا الْمَسْأَلَتَيْنِ ويبيحهما الْبَاقُونَ وَالضَّرْب الآخر أَن يشيروا فيهمَا إِلَى حكمين مُخْتَلفين نَحْو أَن يُوجب بعض الْأمة النِّيَّة فِي الْوضُوء وَلَا يَجْعَل الصَّوْم من شَرط الِاعْتِكَاف وَلَا يُوجب الْبَاقُونَ النِّيَّة فِي الْوضُوء ويجعلون الصَّوْم من شَرط الِاعْتِكَاف
أما الْقسم الأول فَذكر قَاضِي الْقُضَاة فِي الدَّرْس وَالشَّرْح أَنه إِن كَانَ الْمَعْلُوم أَن طَريقَة الحكم فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَاحِدَة لَا يجوز كَونهَا مُتَغَايِرَة فَذَلِك جَار مجْرى أَن يَقُولُوا لَا فصل بَينهمَا لأَنا نعلم أَنهم قد اعتقدوا أَنه لَا يفرق بَينهمَا وَأَنه قد نظمهما طَريقَة وَاحِدَة وَمن فصل بَينهمَا فقد خَالف مَا اعتقدوه من ذَلِك فَأَما إِن جَازَ أَن لَا تكون الطَّرِيقَة فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَاحِدَة وَأَنَّهُمْ سووا بَينهمَا لطريقين فَإِنَّهُ يجوز لمن بعدهمْ أَن يفرق بَينهمَا فَيحرم إِحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ ويبيح الْأُخْرَى فيوافق فِي كل قَول أحد الْفَرِيقَيْنِ لِأَنَّهُ بذلك لَا يكون مُخَالفا لما

الصفحة 47