كتاب المعتمد في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

افْتَرَقُوا فِي تَفْصِيله وَلَا يُمكن أَن يُقَال ذَلِك هَا هُنَا لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُقَال اتَّفقُوا على اسْتِوَاء حكم الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الْجُمْلَة إِذا دلّ الدَّلِيل على أَن حكم الْمَسْأَلَتَيْنِ حكم وَاحِد إِمَّا التَّحْرِيم وَإِمَّا التَّحْلِيل ثمَّ يَحْتَاجُونَ إِلَى أَن ينْظرُوا فِي حكمهَا على التَّفْصِيل وَإِنَّمَا يدل الدَّلِيل على ذَلِك من حَال الْمَسْأَلَتَيْنِ إِذا كَانَ بَينهمَا تعلق يَقْتَضِي ذَلِك وكلامنا فِي مَسْأَلَتَيْنِ لَا تعلق بَينهمَا وَمَا هَذَا سَبيله لَا يعْتَقد فيهمَا أَنه لَا فرق بَينهمَا يبين ذَلِك أَن شطر الْأمة إِذا أوجب النِّيَّة فِي الْوضُوء لدَلِيل وَأوجب غسل النَّجَاسَة لدَلِيل آخر فَإِنَّهُ لَا يُقَال إِنَّهُم قد اعتقدوا أَنه لَا يجوز افتراقهما فِي الْوُجُوب بل عِنْدهم أَنه يجوز أَن تدل الدّلَالَة على وجوب أَحدهمَا دون الآخر وَإِنَّمَا اتّفق إِن دلّ على وجوب هَذَا دَلِيل وعَلى وجوب ذَلِك دَلِيل فَكَذَلِك لَو دلّ دَلِيل على وجوب النِّيَّة فِي الْوضُوء وَدلّ دَلِيل آخر على نفي وجوب غسل النَّجَاسَة لم يجز أَن يُقَال قد وَجب افتراقهما وَأَن الْأمة أَجمعت على وجوب افتراقهما لِأَن الْمَعْقُول من ذَلِك ثُبُوت تعلق يَقْتَضِي وجوب افتراقهما لَا أَنه اتّفق إِن دلّ على وجوب أَحدهمَا دَلِيل وعَلى نفي وجوب الآخر دَلِيل آخر وَلَو وَجب أَن يفرق بَينهمَا لوَجَبَ على من أَدَّاهُ اجْتِهَاده إِلَى قَول الشَّافِعِي فِي مَسْأَلَة أَن يُوَافقهُ فِي جَمِيع مسَائِله وَإِن لم يكن بَينهمَا تعلق وَإِذا لم يكن من الْأمة بأجمعها فِيمَا نَحن بسبيله اتِّفَاق على حكم وَلَا على عِلّة لم يدْخل مَا ذَكرُوهُ تَحت أَدِلَّة الْإِجْمَاع وَلَو دخل تَحت قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمتِي لَا تَجْتَمِع على خطأ لدل ذَلِك على أَن مَا قَالُوهُ لَيْسَ بخطأ وَلَا يدل على أَن الْفرق بَينهمَا خطأ إِذا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاد مُجْتَهد على قَول من قَالَ إِن كل مُجْتَهد مُصِيب
وَاحْتج أَيْضا بِأَن الْأمة إِذا اخْتلفت على قَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَتَيْنِ فقد أوجبت كل طَائِفَة مِنْهَا على غَيرهَا أَن تَقول بقولِهَا أَو بقول الطَّائِفَة الْأُخْرَى وحظرت مَا سوى ذَلِك وَذَلِكَ يمْنَع من إِحْدَاث قَول مفرق بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ وَالْجَوَاب أَنهم إِنَّمَا أوجبوا ذَلِك بِشَرْط أَن لَا يفرق بعض الْمُجْتَهدين بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ فَلَا نسلم أَنهم

الصفحة 50