كتاب المعتمد في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

يَقُول كل وَاحِد مِنْهُم بِهِ وَإِذ جَازَ ذَلِك لآحادهم لم يكن للمجمعين مزية فِي ذَلِك
فان قيل مزية الْإِجْمَاع فِي ذَلِك أَنه يكون حجَّة وكل وَاحِد مِنْهُم لَهُ أَن يَقُول عَن غير دلَالَة وَلَا يكون قَوْله حجَّة فاذا أجتمعوا كَانَ حجَّة قيل إِنَّمَا أردنَا أَن لَا يكون للْإِجْمَاع مزية فِي جَوَاز القَوْل بِغَيْر دلَالَة وَالْخلاف فِي ذَلِك يرجع إِلَى قَول مويس بن عمرَان من أَنه يجوز للْعَالم أَن يَقُول بِغَيْر دلَالَة بِأَن يعلم الله تَعَالَى أَنه لَا يَقُول إِلَّا بِالصَّوَابِ
وَاحْتج الْمُخَالف بأَشْيَاء
مِنْهَا أَن الْإِجْمَاع حجَّة فَلَو لم ينْعَقد إِلَّا عَن دلَالَة لكَانَتْ الدّلَالَة هِيَ الْحجَّة وَلم يكن فِي كَون الْإِجْمَاع حجَّة فَائِدَة وَالْجَوَاب أَن هَذَا يبطل بقول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فانه حجَّة وَلَا يَقُول إِلَّا عَن دلَالَة وَلَا يلْزم إِذا صدر الْإِجْمَاع عَن حجَّة أَن لَا يكون فِي كَونه حجَّة فَائِدَة وعَلى أَنه لَا يمْتَنع أَن يكون قَوْلهَا حجَّة وَمَا صدر قَوْلهَا عَنهُ حجَّة فَيكون فِي الْمَسْأَلَة حجتان وَأَيْضًا فالفائدة فِي ذَلِك أَن يسْقط عَنَّا الْبَحْث عَن الْحجَّة وَيسْقط عَنْهَا نقلهَا وَيحرم علينا الْخلاف الَّذِي كَانَ سائغا فِي مسَائِل الِاجْتِهَاد على قَول من قَالَ كل مُجْتَهد مُصِيب
وَمِنْهَا أَن الْإِجْمَاع قد انْعَقَد من غير دَلِيل نَحْو إِجْمَاعهم على بيع المراضاة من غير عقد والاستصناع واجرة الْحمام وَغير ذَلِك وَأخذ الْخراج وَأخذ الزَّكَاة من الْخَيل وَالْجَوَاب أَن كل ذَلِك مَا وَقع إِلَّا عَن دَلِيل وَإِن جَازَ أَن لَا ينْقل لما ذَكرْنَاهُ من أَن الْإِجْمَاع لَا ينْعَقد إِلَّا عَن دَلِيل وَأما الاستصناع وَعقد المراضاة فقد كَانَا على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يُنكره فَدلَّ على جَوَازه على أَن بيع المراضاة لما جرت الْعَادة بِهِ جرى الْأَخْذ والإعطاء فِي الدّلَالَة على الرِّضَا مجْرى القَوْل وَكَذَلِكَ اجرة الْحمام وَأما قسْمَة أَرض الْعَدو فللإمام أَن يقسمها وَأَن لَا يقسمها وَيعْمل فِيهَا بِحَسب الْمصلحَة وَلِهَذَا لم يقسم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم =

الصفحة 57