كتاب المعتمد في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

وَدَلِيلنَا أَن الأمارة طَرِيق إِلَى الحكم كَمَا أَن الدّلَالَة طَرِيق إِلَى الحكم وَلَا مَانع من انْعِقَاد الْإِجْمَاع عَنْهَا كَمَا لَا مَانع من انْعِقَاد الْإِجْمَاع عَن الْأَدِلَّة خفيها وجليها فَكَمَا جَازَ مَا أمكن انْعِقَاده عَن جلي الْأَدِلَّة وخفيها جَازَ مثله فِي الأمارات
فان قيل لم قُلْتُمْ لَا مَانع من ذَلِك قيل لِأَنَّهُ لَو منع مَانع من ذَلِك كَانَ معقولا وَكَانَ لَهُ تعلق مَعْقُول وَمَا يعقل من ذَلِك إِمَّا أَن يرجع إِلَى الدَّوَاعِي والصوارف وَإِمَّا أَن يرجع إِلَى أَحْكَام متنافية وَمَا يرجع إِلَى الدَّوَاعِي شَيْئَانِ أَحدهمَا أَن يُقَال إِن الْأمة على كثرتها وَاخْتِلَاف همها وأغراضها لَا يجوز أَن يجمعها الأمارة مَعَ خفائها وَلِأَن أَمارَة الحكم الْوَاحِد قد تكون متغائرة فَتكون أَمارَة بَعضهم غير أَمارَة الآخرين فَلَا تكون الأمارة الْوَاحِدَة دَاعِيَة لَهُم إِلَى ذَلِك وَلَو جَازَ مَعَ تعذر كَون الأمارة دَاعِيَة لجميعهم إِلَى الحكم أَن يجمعوا عَلَيْهِ جَازَ أَن يجتمعوا على مأكل وَاحِد وعَلى الْكَذِب فِي شَيْء وَاحِد
وَيُفَارق ذَلِك اجْتِمَاعهم عَن دلَالَة أَو شُبْهَة لِأَن الْأَدِلَّة ظَاهِرَة والشبه تتقدر بِتَقْدِير الْأَدِلَّة عِنْد من صَار إِلَيْهَا وَيُفَارق إِجْمَاع الْخلق الْعَظِيم لحضور الأعياد لِأَن الدَّاعِي إِلَى ذَلِك ظَاهر فيهم الْجَواب أَن قَوْلهم إِن كَثْرَة عدد الامة وَاخْتِلَاف اغراضها يمْنَع من اجتماعها على حكم الأمارة مَعَ خفائها دَعْوَى وَلَيْسَ يمْتَنع أَن تجمعهم الأمارة الْوَاحِدَة أَو الأمارات على الحكم الْوَاحِد وَإِن اخْتلفت الْأَغْرَاض وَكثر الْعدَد لأَنهم قد اتَّفقُوا على وجوب الْمصير إِلَى الأمارة فاذا ظَهرت الأمارة لجميعهم دخلت فِي الْجُمْلَة الَّتِي اعتقدوها وَلذَلِك اتّفق اصحاب أبي حنيفَة فِي كثير من الْمسَائِل وهم خلق عَظِيم ويتفق كثير من أهل الحروب فِي كثير من الْحَالَات فِي الآراء وَاتفقَ الْخلق الْعَظِيم على الْمصير إِلَى مَوضِع الأعياد لما تقدم مِنْهُم اعْتِقَاد الْمصير إِلَى ذَلِك
وَيُفَارق ذَلِك اتِّفَاقهم على الْكَذِب فِي شَيْء معِين لِأَنَّهُ لَا دَاعِي لَهُم إِلَى ذَلِك

الصفحة 60