كتاب المعتمد في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

وَقد بَينا أَن لما ذَكرْنَاهُ دَاعيا وَلِأَنَّهُ لَا يخْطر ببالهم كلهم الشَّيْء الَّذِي يكذبُون فِيهِ إِلَّا بِأَن يتراسلوا فَأَما استنباط الحكم بالأمارة فَلَا يحْتَاج إِلَى تراسل لِأَن الأمارات سَائِغَة فِي الْمُجْتَهدين لَا يَحْتَاجُونَ فِيهَا إِلَى تراسل
وَأما اتِّفَاق جَمِيعهم على مأكل وَاحِد فانما لم يجز لِأَن ذَلِك تَابع لتساوي شهواتهم وتساوي إمكانهم وَقد علمنَا أَنهم مُخْتَلفُونَ فِي الشَّهَوَات وَإِمْكَان نيل مشتهاها فَمنهمْ من يَشْتَهِي مَا ينفر طبع الآخر عَنهُ وَمِنْهُم من تقوى شَهْوَته لما تنقص شَهْوَة الآخر لَهُ فتدعوه قُوَّة شَهْوَته إِلَى تنَاوله دون الآخر وَقد يتَّفق الِاثْنَان فِي شَهْوَة الشَّيْء ويتعذر على أَحدهمَا تَحْصِيله أَو يشق عَلَيْهِ ذَلِك وَلَا يتَعَذَّر على الآخر وَلَا يشق فلهذه الامور لم يتفقوا على مأكل وَاحِد
وَقَوْلهمْ إِن الحكم الْوَاحِد لَا يكون لَهُ إِلَّا أَمارَة بَاطِل لِأَنَّهُ قد يجوز أَن تكون لَهُ أَمارَة وَاحِدَة فَتكون دَاعِيَة لجميعهم إِلَى حكمهَا وَقد تكون لَهُ أمارتان إِحْدَاهمَا أظهر من الْأُخْرَى فتدعو أظهرهمَا جَمِيعهم إِلَى حكمهَا وَقد تتساويان فيستدل بَعضهم باحداهما ويستدل الْبَاقُونَ بالاخرى أَو يسْتَدلّ كل وَاحِد مِنْهُم بكلتيهما فيتفقون فِي الحكم وَإِن تغايرت الأمارات وتفرقتهم بَين الأمارات والشبهة لَا تصح لِأَن الشُّبْهَة لَا تعلق لَهَا والأمارات لَهَا تعلق فاذا جَازَ أَن يجْتَمع الْخلق الْعَظِيم على الْخَطَأ لما لَا تعلق بِهِ فبأن يجوز أَن يجتمعوا لما لَهُ تعلق أولي
وَالْوَجْه الآخر من الدَّوَاعِي هُوَ قَوْلهم إِن من الامة من يعْتَقد بطلَان الحكم بالأمارة وَذَلِكَ يصرفهُ عَن الحكم بهَا وَلَيْسَ فِي مُقَابلَة ذَلِك دَاع فيدعوه إِلَى حكمهَا وَذَلِكَ يمْنَع من اجْتِمَاع كل الامة على حكمهَا وَالْجَوَاب أَن هَذَا الْخلاف حَادث عندنَا وَالصَّحَابَة كَانَت مجمعة على صِحَة الِاجْتِهَاد فَهَذِهِ الشُّبْهَة لَا تتَنَاوَل عصر الصَّحَابَة وَقد أُجِيب عَن ذَلِك بِأَنَّهُ لَا يمْتَنع فِيمَن اعْتقد بطلَان الحكم بالأمارة أَن يصير إِلَى حكمهَا إِذا كَانَت ظَاهِرَة لاعْتِقَاده كَونهَا دلَالَة فَيُؤَدِّي ذَلِك إِلَى اتِّفَاق الْكل على حكمهَا وَهَذَا الْجَواب لَا يتَوَجَّه إِلَى من منع

الصفحة 61