كتاب المعتمد في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

وَحجَّة أبي عَليّ أَن المتعالم من أهل الِاجْتِهَاد إِذا سمعُوا الْحَادِثَة وَطَالَ بهم الزَّمَان أَن يفكروا فِيهَا فان اعتقدوا خلاف مَا انْتَشَر من القَوْل فِيهَا أظهروه إِذا لم تكن تقية وَلَا بُد إِذا كَانَت تقية أَن يظْهر سَببهَا وَأَيْضًا فانه إِن مَاتَ قبل من يتقيه صَارَت الْمَسْأَلَة إِجْمَاعًا وَإِن مَاتَ من يتقيه قبله وَجب أَن يظْهر قَوْله فَبَان أَنه لَا يجوز أَن ينقرض الْعَصْر من غير ظُهُور خلاف لما انْتَشَر إِلَّا وَهُوَ متفقون عَلَيْهِ وَأَيْضًا فان المتقي قد يظْهر قَوْله عِنْد ثقاته وخاصته فَلَا يلبث القَوْل أَن يظْهر
وَحجَّة من قَالَ إِنَّه لَا يكون حجَّة أَنه لَا يمْتَنع أَن يكون من سكت لم يفكر فِي الْمَسْأَلَة لتشاغله بغَيْرهَا من الأشغال كالجهاد وسياسة النَّاس أَو الْفِكر فِي غَيرهَا من الْمسَائِل فَلَا يكون القَوْل الْمُنْتَشِر إِلَّا قَول بَعضهم وَلَيْسَ يُؤَدِّي ذَلِك إِلَّا أَن تذْهب الْأمة كلهَا عَن الْحق لِأَن ذَلِك القَوْل الْمُنْتَشِر هُوَ حق لِأَن الْمَسْأَلَة من مسَائِل الِاجْتِهَاد وكل مُجْتَهد فِيهَا مُصِيب
وَحجَّة أبي هَاشم فِي أَن ذَلِك حجَّة هِيَ أَن النَّاس فِي كل عصر يحتجون بالْقَوْل الْمُنْتَشِر فِي الصَّحَابَة إِذا لم يعرف لَهُ مُخَالف
وَأَبُو عبد الله لَا يسلم هَذَا الْإِجْمَاع على أَن من يحْتَج بذلك يَجعله إِجْمَاعًا لِأَنَّهُ يَقُول قد انْتَشَر هَذَا القَوْل وَلَا يعرف لَهُ مُخَالف فَكَانَ إِجْمَاعًا
وَأما نقل الْإِجْمَاع بِخَبَر الْوَاحِد فَمن النَّاس من لم يعْمل بِهِ وَمِنْهُم من عمل بِهِ وَهُوَ الصَّحِيح لِأَن قَوْلهم حجَّة كَمَا أَن كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجَّة فاذا لزمتنا الْأَحْكَام بِنَقْل كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من جِهَة الْآحَاد فَكَذَلِك يلْزمنَا أَن ينْقل كَلَام الامة من جِهَة الْآحَاد فَأَما من قَالَ إِنَّه لَا طَرِيق إِلَى معرفَة الْإِجْمَاع فَلهُ أَن يحْتَج فَيَقُول إِن المجمعين إِمَّا أَن يَكُونُوا هم الصَّحَابَة أَو غَيرهم من أهل الْأَعْصَار أما غَيرهم فان كثرتهم وتباعد دِيَارهمْ يمْنَع أَن نَعْرِف فِي الْحَوَادِث قَوْلهم بأجمعهم أَلا ترى أَن أهل بَغْدَاد لَا يعْرفُونَ أهل الْعلم بالمغرب فضلا أَن

الصفحة 67