كتاب المعتمد في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

يعرفوا أقاويلهم فِي الْحَوَادِث وَأما الصَّحَابَة فانا لم نشاهدهم فيشافهونا بالحكم وَلم ينْقل عَن كل وَاحِد مِنْهُم قَول فِي الْحَوَادِث لَا بالتواتر وَلَا بالآحاد وَلَيْسَ معنى إِلَّا أَن بَعضهم يَقُول وينتشر قَوْله فِي البَاقِينَ وَلَا يظْهر لَهُ مُخَالف وَلَيْسَ هَذَا باجماع على الصَّحِيح من قَول من قَالَ إِن كل مُجْتَهد مُصِيب وَلَيْسَ لكم أَن تَقولُوا إِنَّمَا تحصل الْمَسْأَلَة إِجْمَاعًا عِنْد سكُوت البَاقِينَ إِذا علمنَا أَنهم سكتوا سكُوت من يرضى أَن يكون ذَلِك القَوْل قولا لَهُ لِأَن السَّاكِت قد يسكت لهَذَا الْغَرَض وَلِأَنَّهُ لَا قَول لَهُ فِي الْمَسْأَلَة وَإِذا جَازَ كلا الْأَمريْنِ خرج السُّكُوت من أَن يكون طَرِيقا إِلَى أَن السَّاكِت قد رَضِي أَن يكون القَوْل قولا لَهُ وَلَيْسَ يجوز أَن يعلم باضطرار أَنهم يَعْتَقِدُونَ صِحَة ذَلِك القَوْل لأنكم لَا تضطرون من كل وَاحِد مِنْهُم أَنه مُعْتَقد لما يظهره من الْإِسْلَام فَكيف تَكُونُونَ مضطرين إِلَى أَنهم يَعْتَقِدُونَ فرعا من فروعه وَالْجَوَاب أَن هَذِه الشُّبْهَة لَا تمنع من الْعلم بِالْإِجْمَاع أصلا لِأَن من عاصر الصَّحَابَة يُمكنهُ أَن يلتقي بِكُل وَاحِد من الْمُجْتَهدين أَو ببعضهم ويروى لَهُ عَن البَاقِينَ لِأَن أهل الِاجْتِهَاد كَانُوا فِي ذَلِك الْوَقْت مَحْصُورين وَكَذَلِكَ التابعون وانتشار القَوْل فِي هَذَا الْعَصْر من غير مُخَالف دَلِيل على الْإِجْمَاع فِيمَا لَيْسَ من مسَائِل الِاجْتِهَاد وَفِي مسَائِل الِاجْتِهَاد أَيْضا على قَول من قَالَ إِن الْحق فِي وَاحِد مِنْهَا وعَلى قَول أبي عَليّ أَيْضا وَإِن كَانَ يَقُول إِن كل مُجْتَهد مُصِيب فَأَما غَيره فَذكر قَاضِي الْقُضَاة أَن مَا دلّ على الْإِجْمَاع يَقْتَضِي أَن يكون الله تَعَالَى عَنى بِالْإِجْمَاع القَوْل الْمُنْتَشِر لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يُوجب علينا اتِّبَاع مَا لَا سَبِيل لنا إِلَيْهِ فاذا لم يُمكن إِلَّا هَذَا الْقدر علمنَا أَن الله تَعَالَى قد عناه
وَلقَائِل أَن يَقُول إِنَّمَا أوجب الله تَعَالَى علينا اتِّبَاع الْإِجْمَاع إِذا تمَكنا مِنْهُ وَذَلِكَ يُمكن لمن عاصر الصَّحَابَة وَأمكن أَن يسألهم وَيُمكن أَيْضا فِي القَوْل الْمُنْتَشِر فِيمَا لَيْسَ من مسَائِل الِاجْتِهَاد وَهَذَا يَكْفِي فِي حسن إِيجَاب الله تَعَالَى اتِّبَاع الْإِجْمَاع إِذْ قد أمكن من بعض النَّاس وعَلى بعض الْوُجُوه

الصفحة 68