كتاب المعتمد في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

وَقد اجيب عَن الشُّبْهَة أَيْضا بِأَنَّهُ لَا يمْتَنع أَن نعلم باضطرار شَيْئا طَرِيقه الْخَبَر وَإِن لم نعلم طَرِيقه مفصلا أَلا ترى أَنا نعلم باضطرار اعْتِقَاد أهل بِلَاد الرّوم النَّصْرَانِيَّة وَأَن الْغَالِب على كثير من الْبِلَاد الْجَبْر والتشبيه وَإِن لم نعلم طَرِيق ذَلِك مفصلا وَكَذَلِكَ نَحن نعلم ضَرُورَة أَنه لَيْسَ فِي الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم من جعل الْأَخ أولى بِالْمَالِ كُله من الْجد وَلَا يمْتَنع ذَلِك وَإِن لم يعلم طَرِيقه مفصلا
وَلقَائِل أَن يَقُول إِنَّا لَا نعلم أَن أهل بِلَاد الرّوم نَصَارَى كلهم لأَنا نجوز أَن يكون فيهم المتظاهر بالاسلام واليهودية بل يقطع على ذَلِك وَأَن يكون فيهم من يظْهر النَّصْرَانِيَّة ويعتقد غَيرهَا وَإِنَّمَا نعلم أَن الْغَالِب عَلَيْهِم إِظْهَار النَّصْرَانِيَّة وَذَلِكَ قد أخبرنَا بِهِ جمَاعَة نعلم صدقهم وَلَو كَانَ الْغَالِب عَلَيْهِم إِظْهَار دين الاسلام لما حاربونا وَلما انكتم ذَلِك
وَأما تَشْبِيه مَسْأَلَة الْجد بِمَا نعلمهُ من أَن الْغَالِب على كثير من الْبِلَاد الْجَبْر والتشبيه فانه يَقْتَضِي أَن نعلم أَن الْغَالِب على الصَّحَابَة أَن الْأَخ لَا يَرث جَمِيع المَال مَعَ الْجد على أَنا نعلم أَنه لم يكن فِي الصَّحَابَة من يظْهر ذَلِك لِأَنَّهُ لَو أظهره مظهر لنقل وَلَكِن للمحتج بِهَذِهِ الشُّبْهَة أَن يَقُول لَعَلَّ من سكت عَن القَوْل فِي مَسْأَلَة الْجد وَالْأَخ لم يجْتَهد فِي الْمَسْأَلَة وَلَيْسَ لَهُ فِيهَا قَول
وَقد اجيب عَن الشُّبْهَة بِجَوَاب آخر وَهُوَ انه لَا يمْتَنع أَن يضْطَر إِلَى أَن السَّاكِت عَن الْإِنْكَار رَاض بِكَوْن مَا سكت عَن إِنْكَاره قولا لَهُ فان لم يكن لنا إِلَى ذَلِك طَرِيق معِين كَمَا نعلم قصد الْمُتَكَلّم عِنْد كَلَامه وَإِن لم يكن لنا طَرِيق معِين إِلَى ذَلِك وَلَيْسَ لأحد ان يَقُول قد لَا يكون السَّاكِت رَاضِيا بذلك القَوْل لنَفسِهِ فَلَا يجوز أَن يحصل الْعلم بِأَنَّهُ قد رَضِي بالْقَوْل لنَفسِهِ كَمَا لَيْسَ لَهُ أَن يَقُول لَا أعلم قصد الْمُتَكَلّم لِأَن مثل كَلَامه قد يُوجد وَلَا أعرف قَصده أَلا ترى أَنه قد تَجْتَمِع الْجَمَاعَة للرأي فيشير بَعضهم ويسكت الْبَاقُونَ ويفترقون فَيعلم أَنه رَأْي جَمِيعهم فاذا علمنَا باضطرار أَن مَذْهَب جَمِيع السّلف أَن الْأَخ لَيْسَ أولى بِجَمِيعِ المَال من الْجد علمنَا أَنه من هَذَا الْقَبِيل

الصفحة 69