كتاب المعتمد في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

قَوْله خير أمة نصب على الْحَال وَأي هَذِه الْوُجُوه ثَبت لم يضرنا لِأَن قَوْله {خير أمة} إِن أَفَادَ تقدم كَونهم كَذَلِك فَقَوله {تأمرون بِالْمَعْرُوفِ وتنهون عَن الْمُنكر} يَقْتَضِي كَونهم كَذَلِك فِي كل حَال وَمَا ينهون عَن كل مُنكر لأَنهم لَو كَانُوا ينهون عَن بعض الْمُنْكَرَات ويأمرون بِبَعْض وَينْهَوْنَ عَن ذَلِك فِي بعض حالاتهم دون بعض لما كَانُوا خير أمة أخرجت للنَّاس لِأَن الامم السالفة قد نهوا عَن كثير من الْمُنكر وَأمرُوا بِكَثِير من الْمَعْرُوف فِي بعض الْحَالَات دون بعض أَلا ترى أَنهم أمروا بِالتَّوْحِيدِ ونهوا عَن الْإِلْحَاد وَأمرُوا بنبوة أَنْبِيَائهمْ ونهوا عَن تكذيبهم فَوَجَبَ حمل الْآيَة على الْعُمُوم فِي جَمِيع الْحَالَات
فَأَما الْوَجْهَانِ الْآخرَانِ فَالْأَمْر فِي صِحَة الِاسْتِدْلَال مَعَهُمَا ظَاهر دَلِيل قَوْله تَعَالَى {وَمن يُشَاقق الرَّسُول من بعد مَا تبين لَهُ الْهدى وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ نوله مَا تولى ونصله جَهَنَّم وَسَاءَتْ مصيرا} فَجمع بَين مشاقة الرَّسُول وَاتِّبَاع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ فِي الْوَعيد فَلَو كَانَ اتِّبَاع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ مُبَاحا لما جمع بَينه وَبَين الْمَحْظُور فِي الْوَعيد أَلا ترى أَنه لَا يجوز أَن يَقُول الْحَكِيم لعَبْدِهِ إِن زَنَيْت وشربت المَاء عاقبتك وَإِذا قبح اتِّبَاع غير سبيلهم وَجب تجنبه وَلم يُمكن تجنبه إِلَّا بِاتِّبَاع سبيلهم لِأَنَّهُ لَا وَاسِط بَين اتِّبَاع سبيلهم وَاتِّبَاع غير سبيلهم
إِن قيل إِنَّمَا جمع الله بَين مشاقة الرَّسُول وَبَين اتِّبَاع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ فِي الْوَعيد لِأَن اتِّبَاع غير سبيلهم قَبِيح بِشَرْط مشاقة الرَّسُول وَغير قَبِيح إِذا لم يُوجد مشاقة الرَّسُول قيل لَهُ هَذَا يَقْتَضِي أَن يكون من شاق الرَّسُول يجب عَلَيْهِ اتِّبَاع سَبِيل الْمُؤمنِينَ مَعَ مشاقته للرسول ومشاقة الرَّسُول لَيست مَعْصِيّة فَقَط وَإِنَّمَا هِيَ مَعْصِيّة على سَبِيل الرَّد عَلَيْهِ والمعاندة لَهُ لِأَن من صدق بِالنَّبِيِّ وَفعل بعض الْمعاصِي لَا يُقَال إِنَّه مشاق للرسول وَمن كذب بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورد عَلَيْهِ

الصفحة 7