كتاب المعتمد في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

وَلَيْسَ اتباعهم هُوَ مشاركتهم فِي قَوْلهم لِأَن دَلِيلا دلّ عَلَيْهِ أَلا ترى أَنا لَا نَكُون متبعين للْيَهُود فِي إِثْبَات الصَّانِع جلّ ثَنَاؤُهُ وَفِي نبوة مُوسَى وَإِن شاركناهم فِي اعْتِقَادهم ذَلِك لما لم نصر إِلَى ذَلِك لأجل قَوْلهم
وَأَيْضًا فَهَذَا السَّائِل إِن جعل سَبِيل الْمُؤمنِينَ على كل حَال هَذَا فقد أوجب اتِّبَاعه فِي كل حَال وَفِي ذَلِك الرُّجُوع إِلَى قَوْلنَا وَإِن لم يَجعله هَذَا على كل حَال لزمَه أَن لَا يكون اتِّبَاعه على كل حَال وَاجِبا وَالْأَمر يُفِيد وجوب اتباعهم على كل حَال فَعلمنَا أَنه لم يرد تبين كل الْهدى
فان قيل لَسْتُم بِأَن تتركوا الظَّاهِر فِي استغراق الْهدى بِأولى من أَن نَتْرُك نَحن ظَاهر الْآيَة فِي اتِّبَاع سَبِيل الْمُؤمنِينَ فِي كل حَال ونتمسك بِعُمُوم الْهدى قيل الْفرق بَيْننَا وَبَيْنكُم أَنكُمْ إِذا حملتم الْهدى على الْعُمُوم لزمكم أَن تحملوا الْآيَة على وُجُوه لَا فَائِدَة فِيهَا على مَا بَيناهُ من قبل وَهَذَا الْجَواب لَا يقوم بِنَفسِهِ إِلَّا بِمَا تقدم من الْأَجْوِبَة وفيهَا كِفَايَة
إِن قيل قَوْله تَعَالَى {وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ} يحْتَمل أَن يكون غير فِي هَذَا الْكَلَام بِمَعْنى إِلَّا فَيكون معنى الْآيَة وَيتبع إِلَّا سَبِيل الْمُؤمنِينَ فَيكون ذَلِك توعدا لمن لم يتبع سبيلهم وَمن شكّ فِيهِ توقف وَلمن اتبع سَبِيلا غير سبيلهم وَيحْتَمل أَن يكون صفة فَيكون معنى الْآيَة وَيتبع سَبِيلا غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ فَلَا يدْخل فِي هَذَا الْوَعيد من لم يتبع سبيلهم وَلَا سَبِيل غَيرهم بل توقف فَمَا يؤمنكم أَن يكون غير هَا هُنَا صفة فَلَا يكون لكم فِي الاية دلَالَة وَالْجَوَاب أَن هَذَا السُّؤَال يَقْتَضِي أَن تكون الْآيَة قد حظرت على الْإِنْسَان إِذا أَجمعت الامة على إِبَاحَة شَيْء أَن يَقُول بحظره أَو بِوُجُوبِهِ والمخالف لَا يحظر ذَلِك وَأَيْضًا فالمتوقف فِي قَوْلهم يتبع سَبِيلا غير سبيلهم فقد دخل فِي الْوَعيد أَلا ترى أَن من شكّ فِي نبوة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُوصف أَنه يتبع

الصفحة 9