كتاب التفسير البياني للقرآن الكريم (اسم الجزء: 2)

وهذا من عجيب تأويلاتهم، فالكلمة متلوة مباشرة بطغيان الإنسان، والآيات بعدها حافلة بما يتوجه إليه الردع والنذير.
وليس الطغيان عن استغراق في حب المال والجاه كما تأوله بعض المفسرين، ولكنه بصريح النص، عن وهم الإنسان الاستغناء عن خالقه، إذ تأخذه العزة بالإثم، ويفتنه ما اختص به من شرف العلم الكسبي فيغتر ويطغى، متجاوزاً قدره وموضعه {أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} عن خالقه.
وينسى أن مصيره إلى الخالق.
* * *
{إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} .
والرجع في العربية: العود والرد. ورجع الصوت تردده، والمراجعة المعاودة. والمعجميون يضعون الرجعى مع الرجع والمرجع والرجعان، مصارد للفعل رجع.
وأكثر المفسرين على أن الرجعى هنا بمعنى الرجوع. قال أبو حيان: "الرجعى أي الرجوع، مصدر على وزن فعلى، الألف فيه للتأنيث".
وأحسن أن صيغة الرجعى ليس ملحوظاً فيها المصدرية ولا التأنيث، بقدر ما يلحظ فيه إطلاق الرجوع إلى غايته القصوى.
ولم تأت صيغة الرجعى في القرآن الكريم إلا في هذه الآية، ردعاً للإنسان المغتر عن طغيانه، ونذيراً له بأن إلى ربك غاية مصيره ونهاية رجعاه.
وبعد آية العلق {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} تتالت الآيات المحكمات فيها نزل بعدها من الوحي، منبهة ومنذرة بالمصير إلى الله سبحانه: إليه يرجع الأمر كله، وإليه مرجعكم ومرجعهم، وإليه تُرجَعون ويُرجَعون.
وفي سياق النذير جاءت آية الصافات بالجحيم مرجعاً للظالمين:
{ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ} 68.
وجاءت آية الفجر في سياق البشرى للنفس المطمئنة:

الصفحة 25