كتاب التفسير البياني للقرآن الكريم (اسم الجزء: 2)

نزلت البقية في أبي جهل بن هشام، وأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بضمها إلى أول السورة.
والوجه الثاني: أن تحمل الآيات على عموم لفظها في الظاهر، وهو أن الإنسان، جملة الإنسان، خلقه الله من علق وأنعم عليه، فإذا به يطغى ويتجاوز الحد في المعاضي وينسى أن إلى ربك الرجعى، فينهى عن عبادة الله، وكان أولى به، وقد أنعم عليه خالقه، أن يكون على الهدى ويأمر بالتقوى.
وكلا الوجهين جائز.
فسياق الآيات في السورة، يشعر بأنها نزلت بعد أن أبلغ المصطفى رسالة ربه وجهر بعبادته وصلاته فووجه بالتكذيب، ثم لا تمنع خصوصية السبب في نزول هذه الآيات، من حملها على عموم اللفظ كما قرر الأصوليون.
* * *
والنحاه من المفسرين، وقفوا طويلاً عند "أرايت" التي تكررت هنا ثلاثة مرات في آيات متتاليات، دون أن يصرح فيها بالمفعول الثاني للفعل "رأى" على ما تقتضي الصنعة الإعرابية.
وقد ذهب الزمخشري في (الكشاف) إلى أن الجملة الشرطية في {أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} في موضع المفعول الثاني لـ {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى} وعلى هذا التأويل، قرر أن {أَرَأَيْتَ} زائدة قبل الشرط: إن كذب.
أما جواب الشرط فيؤخذ من الآية بعده: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} وعلى هذا التأويل الذي تبدو فيه {أَرَأَيْتَ} في الجملة الشرطية مقحمة على السياق، تمت للزمخشري تسوية الصنعة بمفعول ثان، ثم تركنا نواجه مجئ جواب الشرط استفهامياً طلبياً غير مقترن بالفاء، خلافاً لقواعدهم!
وقد رفض "أبو حيان" مذهب الزمخشري، دون أن يتخلص هو أيضاً من أغلال الصنعة النحوية، فلم يلتفت إلى ما في قوله الزمخشري بزيادة {أَرَأَيْتَ} في جملة الشرط من تكلف ينبو به السياق ويتمزق، بل شغلته قواعد الصنعه، فذكر أن المفعول الثاني لـ {أَرَأَيْتَ} لا يكون إلا جملة استفهامية، وهو كثير في القرآن الكريم. ثم قال: "فتخرج هذه الآية على هذا القانون".

الصفحة 27