كتاب التفسير البياني للقرآن الكريم (اسم الجزء: 2)

تصف حالته النفسية حين آب من غار في ليلة القدر، مرتعداً بادى الحيرة والقلق، وأفضى إلى زوجه السيدة خديجة بما رأى وما سمع فقالت رضي الله عنها: أبشر يا ابن العم واثبت فوالله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتؤدى الأمانة وتصل الرحم وتصدق الحديث....
كما نقلت كتب الحديث والسيرة وطبقات الصحابة، ما كان من تلقي "ورقة بن نوفل" لخبر الوحي الأول، وقوله للمصطفى عليه الصلاو والسلام: والذي نفسي بيده إنك لنبي هذه الأمة، ولتكذبنه، ولتؤذينه، ولتقاتلنه ولتخرجنه!.
وفي ضوء ما تواتر كم أخبار عن حالة المصطفى عليه الصلاة والسلام أول عهده بالوحي: وما واجه من تكذي المشركين وحيرتهم فيما يصفونه به، نتلو الآيات:
{مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} .
فندرك عمق أثرها في تثبيت المصطفى وتقوية فؤاده، وتهيئته لما هو بسيل أن يحتمل من أعباء التبليغ لرسالته، والصبر على ما يلقى من عنت المكذبين الضالين، وسفة الوثنية القرشية العاتية.
وجمهرة المفسرين على أن جملة {بِنِعْمَةِ رَبِّكَ} اعتراضية، كما تقول لصاحبك: أنت بحمد الله فاضل.
وهذا أقرب ممن تأولوه: ما أنت بمحنون والنعمة بربك. ذكره "أبو حيان" في (البحر) وقال إنه تفسير معنى لا تفسير إعراب.
وفيه تكلف لا يسيغه حس العربية المرهف الذي يجلوه البيان القرآني في ذورة نقائه. وإنما يفهم في بساطة ويسر، بالمألوف كم بيان العربية في مثل: قولك: ما أنت بفضل الله بشقي.
وقد سبق استقراء ما في القرآن من لفظ نعمة، مادة وصيغة، في تفسير آية التكاثر: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} وهدى الاستقراء إلى أن القرآن يستعمل النعمة

الصفحة 45