كتاب التفسير البياني للقرآن الكريم (اسم الجزء: 2)

المدركة، وزمن الفعل فيه منقول إلى المستقبل القريب بحرف السين:
{فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} .
ولا اشق على القارئ بنقل الخلاف بين النحويين في توجيه آية {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} وإعرابها. وقد لخصه "ابن قيم الجوزية" بإيجاز واف، نراه يغني هنا، قال:
"وقد اختلف في تقدير قوله {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} فقال أبو عثمان المازني: هو كلام مستأنف، والمفتون عنده مصدر، أي بأيكم الفتنة. والاستفهام عن أمر دائر بين اثنين قد علم انتقاؤه عن أحدهما قطعاً، فتعين حصوله للآخر. والجمهور على خلاف هذا التقدير، والآية عندهم متصلة بما قبلها، ثم لهم فيه أربعة أوجه:
أحدها، أن الباء زائدة، والمعنى: أيكم المفتون، وزيدت في المبتدأ كما زيدت في قولك: بحسبك أن تفعل. قاله أبو عبيد.
الثاني: أن المفتون بمعنى الفتنة، أي: ستبصر ويبصرون بأيكم الفتنة. والباء على هذا ليست بزائدة. قاله الأخفش.
الثالث: أن المفتون مفعول على بابه، ولكن هنا مضاف محذوف تقديره بأيكم فتون المفتون. وليست الباء زائدة. قاله الأخفش أيضاً.
الرابع: أن الباء بمعنى في، والتقدير: في أي فريق منكم النوع المفتون. والباء على هذا، ظرفية".
ونقول مع ابن القيم: "وهذه الأقوال كلها تكلف ظاهر لا حاجة إلى شيء منه و {سَتُبْصِرُ} مضمن معنى تشعر وتعلم، فعدى بالباء.... وإذا دعاك اللفظ إلى المعنى من قريب فلا تجب من دعاك إليه من مكان بعيد".
والعربية تستعمل الفتنة حسياً في إذابة الذهب والفضة وصهر المعدن بالنار.
ومن معاني الفتنة في المعجم: الفن، والحال، والإبتلاء، والإعجاب بالشيء، والضلال والكفر، والإيقاع بين الناس.
وهي تحتمل في الآية، أن يكون المفتون من الإبتلاء بالضلال والبغي. ولعلها تحتمل كذلك ما قاله بعض المفسرين من معنى الجنون. وإن يكن حمل الفتنة على

الصفحة 53