كتاب التفسير البياني للقرآن الكريم (اسم الجزء: 2)

وفي القرآن من هذا المعنى الأول، آيتان:
{وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ} (المؤمنون 20)
{فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} (الرحمن 37)
وبملحظ من التطرية والتلين جاءت الدلالة للإدهان، في اللين والتساهل، وشاع استعمال المداهنة في المداجاة والملاطفة عن غش وخداع، أو عن تساهل وتفريط.
وفي القرآن من هذه الدلالة امجازية، آيتان:
{أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ} (الواقعة 81)
وآية القلم: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} .
قيل في تفسيرها: ودوا لو ترخص لهم فيرخصون لك. أو: ودوا لو تلين في دينك فيلينون في دينهم. وقيل: ودوا لو تركن إلى آلهتهم وتترك ما أنت عليه من الحق فيمالئونك.
وقد نقلها الطبري ثم قال: "وأولاهما بالصواب عندي قول من قال: معنى ذلك، ود هؤلاء المشركون لو تلين لهم يا محمد في دينك بإجابتك إياهم إلى الركون إلى آلهتهم، فيلينون لك في عبادتك إلهك".
واستأنس له بآية الإسراء:
{وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ.....} 74.
فالإدهان مأخوذ من الدهن، شبه التليين في القول بتليين الدهن.
وهو غير المداهنة، التي تحتمل الممالأة والمداجاة.
وشغل نحاة ومفسرون بعقد الصنعة الإعرابية، عن لمح سر التعبير بـ "لو" التي تعطي حس التمني البعيد من المشركين أن يلين لهم المصطفى عليه الصلاة والسلام، فوقفوا طويلاً عند ثبوت النون في {فَيُدْهِنُونَ} والقاعدة عندهم أنها تحذف على

الصفحة 55