كتاب التفسير البياني للقرآن الكريم (اسم الجزء: 2)

النصب في جواب التمني {وَدُّوا لَوْ} لتضمنه معنى ليت.
قال الزمخشري: " عدل به عن ذلك إلى طريق آخر هو على تقدير خبر مبتدأ محذوف: فهم يدهنون. أو على المصدرية، المؤولة، بمعنى: ودوا إدهانك، فهم الآن يدهنون لطمعهم في إدهانك؟ " ثم أشار إلى قراءة في بعض المصاحف بحذف النون: "فيدهنوا" وتخريج القول عندهم على هذه القراءة، يكون على وجهين: انه جواب {وَدُّوا} لتضمنه معنى ليت، والوجه الآخر أنه على توهم أنه نطق بأن، أي: ودوا لو أن تدهن فيدهنوا.
وجمهور المصاحف على إثبات النون كما صرح أبو حيان في (البحر) وإنما جر إلى كل هذه الوجوه من التأول والتقدير، أنهم عرضوا الآية القرآنية على قواعدهم النحوية، ثم راحوا يلتمسون الحيل لتسوية الصنعة الإعرابية.
وقد قلت وأقول: ما يجوز أن يعرض البيان الأعلى على قواعد النحاة، وإنه الأصل والحجة. ومن ثم تبقى الآية على وجهها، وتكون الفاء في: فيدهنون حرف عطف، فتثبت النون رفعاً بالعطن على {تُدْهِنُ} والفاء العاطفة لا تفقد ملحظ السببية.
* * *
{وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13) أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ} .
في تفسيرنا لآية {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} هدى الاستقراء إلى أن الكتاب المحكم لم يستعمل مادة (حلف) بمختلف صيغها، إلا في الحنث باليمين.
وخلاف: صيغة مبالغة من حالف. وقلما تستعمل العربية في بيانها اسم الفاعل من حلف، فكأن عدولها إلى حلاف، إيذان بأن من يحنث في يمينه يدأب على الحنث فلا يتورع من الإكثار من الحلف، عادة وطبعاً.

الصفحة 56