كتاب التفسير البياني للقرآن الكريم (اسم الجزء: 2)

من الوسم وهو أثر الكي، والاسم علامة مميزة لتعريف الأشخاص. وفي المصطلح النحوي، يأتي الاسم قسيم الفعل والحرف.
وأكثر ما تدور المادة على العلامة المميزة، حسياً معنوياً.
والخرطوم الأنف أو مقدمه. وشاع استعماله في الحيوان، الفيل، واستعمال الأنف للإنسان. وإذ كان الأنف أبرز ما في الوجه، نقل إلى الدلالة المجازية على الرفعة والتكريم، أو الخسة والتحقير، فقالوا الأنوف والأنف، من الأنفة بمعنى العزة والكبرياء. وكنوا عن المترفع بمثل قولهم: ـشم الأنف، وأنفه في السماء. كما كنوا عن الإذلال بمثل قولهم: أنفه راغم، وأنفه في التراب.
وفي القرآن الكريم، استعمل الأنف للإنسان على أصل معناه اللغوي في القصاص بآية المائدة 45:
{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} .
والعدول عن الأنف إلى الخرطوم في آية القلم، فيه ملحظ التحقير والهبوط بآدمية ذلك المفتون الشرير الجافي اللئيم، إلى دمنية البهائم والدواب.
ومن هذا، يبدو ضعف ما قيل في تأويله، بأن معناه: سنسود وجهه أو نضرب بالسيف على أنفه - وأيدوا هذا التأويل بما حل بالوليد بن المغيرة يوم دبر! - أو نسم على أنفه بسمة يعرف بها كفره وانحطاط قدره!
نقل هذه التأويلات "الإمام الطبري" بعد أن ذكر اختلاف أهل التأويل فيه:
حقيقة هو أم مجاز؟ وإذا كان حقيقة فهل هو في الدنيا أو في الآخرة؟.
ورد الخرطوم إلى الأنف، يضيع به سر البيان في تحقير المغرور الخبيث، والهبوط بآدميته إلى البهيمية. أما ما نقلوا عن "النضر بن شميل" من أنه تأوله في معنى "سنحده على شرب الخمر"، ففيه شطط وبعد كما ذكر "أبو حيان".
ووجه الشطط فيه أن حد الخمر لم يكن قد شرع بعد لتؤدى الآية معناها من الزجر

الصفحة 61