كتاب التفسير البياني للقرآن الكريم (اسم الجزء: 2)

والوعيد والتحقير، ومن المسلمين من حدوا على شرب الخمر بعد أن حرمت، لا ينفرد به هذا العتل الزنيم الكافر، ليكون في إنذاره به فرط تحقير وإذلال وإهانة!
* * *
{إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32) كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}
البلاء المحنة، والإبتلاء الإمتحان.
والجنة في الآية، على معناها الأول قبل أن تأخذ دلالتها الإسلامية على دار النعيم في الآخرة. وترجع دلالة المادة في الأصل اللغوي إلى معنى الخفاء، يبدو بوضوح في الجنين مختفياً في رحم أمه، والجنون خفاء العقل، والجن جنس خفي من المخلوقات، نقيض الإنس.
وبملحظ الستر في الخفاء، قيل جن عليه الليل. والمجن ما يتخذ درعاً ساترة للوقاية.
وقيل للأرض المغطاة بالشجر والزرع جنة، ثم نقلت الجنة إلى المصطلح الإسلامي في جنة الآخرة. وهو الاستعمال الغالب للفظ جنة وجنات في القرآن الكريم - نحو مائة وعشرين مرة - على أنها جاءت بدلالتها الأولى على الجنة المعروفة في الدنيا، مفردة في تسع آيات، ومثناة في خمس آيات، واثنتى عشرة مرة بصيغة الجمع، لجنات الدنيا.
والسياق هو الذي يحتكم في تحديد هذه الدلالة.
والصرم: القطع، ومنه حصد الزرع وجني الثمر، ثم أخذ دلالته المجازية على

الصفحة 62