كتاب التفسير البياني للقرآن الكريم (اسم الجزء: 2)

كما حددوا زمنه فقالوا: إنه كان بعد رفع عيسى عليه السلام! وقد كان حصاد جنته وثمرها قوت سنته، ويتصدق بالباقي على المحتاجين، ويترا ما يخطئه المنجل من حصاد، وما يخطئه المنجل منة حصاد، وما يخطئه القطاف من العنب، وما يبقى تحت التخل. وكان بنوه يضيقون بذلك ويحاولون حمله على بما يملك. . فلما مات قالوا: إن فعلنا ما كان أبونا يفعل، ضاق علينا الأمر عيال. وأقسموا فيما بينهم، حين آن الحصاد، أن يتسللوا إلى جنتهم ليجنوا ثمرها وأكلها لا يبقون منه شيئاً لمحتاج، وفيما هم نائمون، طاف طائف - قيل في رواية إنه الشيطان، وفي أخرى إنه جبريل - اقتلع الشجر ومضى فطاف به حول البيت العتيق تبركاً، ثم وضعه حيث الطائف، وليس في أرض الحجاز بلدة غيرها فيها الماء والشجر وترك الجنة صريماً جرداء خلاء.
فلما أصبحوا، تنادوا ليغدوا على حرثهم، وانطلقوا إلى جنتهم يتخافتون: ألا يدخلنها اليوم عليكم مسكين. فما إن رأوها حصيداً قفزاً، رشدهم وأدركوا أنهم ضالون. ولما ذكرهم أوسطهم بما تهاونوا به حين نسيان الله والتفريط في حق نعمته، أقبل بعضهميلوم بعضاً، وتضرعوا لهم ما كان من طغيانهم وظلمهم: {عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ} .
والقرآن الكريم يقدم لنا في هذه السورة المكية المبكرة، مقلاً مما سوى الوحي من قصص الأولين: لا يتعلق فيها بذكر الأشخاص والأزمنه إلا ما كان من جوهر القصة وموضع العبرة, وهو إذ يضرب المثل بأصل الذين أنعم الله عليهم فبغوا وظلموا أنفسهم ونسوا الله فحق عليهم العقاب، يحدد لنا من أي قوم كانوا، من الحبشة أو من اليمن. ولم يذكر عددهم

الصفحة 64