كتاب التفسير البياني للقرآن الكريم (اسم الجزء: 2)

وقوله تعالى:
{كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} .
يلفت إلى مناط العبرة فيما تلت الآيات من أمر أصحاب الجنة، ويتجه بها إلى العظة، والإنذار بما يحيق بالطاغين الظالمين من عذاب معجل في الدنيا، {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} .
والذي أطمئن إليه، والله أعلم، أن الضمير في {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} لمن {بَلَوْنَاهُمْ} من الطغاة المكذبين الذين نزلت القصة عبرة لهم ومثلاً، وليس لأصحاب الجنة الذين أقروا بظلمهم وتابوا وأنابوا، ورغبوا إلى الله. ويؤنس إلى هذا الوجه في فهم الآية، أن القرآن الكريم بعد أن تلا ما كان من بغي أصحاب الجنة وعقابهم ثم توبتهم وضراعتهم، أمسك عن ذكر مصيرهم، فأمرهم متروك إلى علم الله ورحمته. فاتجه النذير إلى من تصدوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتكذيب والتحدي، وارتبط بالآية قبله: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ} كما ارتبط بالآيات بعدها:
* * *
{إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ (38) أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ} ؟
وفيها يبين القرآن الكريم عاقبة المتقين بعد الذي ساق من عبرة أصحاب الجنة، ونذير للطغتة الظالمين، فيعمد إلى الأسلوب الاستفهامي الذي يخرج عن أصل معناه اللغوي في طلب الجواب، إلى الرفض والإنكار: أن يجعل الله المسلمين كالمجرمين. وهو إنكار يحمل من التقرير لمثوبة المتقين المسلمين ومآب العصاة المجرمين، بقدر ما يحمل من الردع لذوي العقول والبصائر.
والخطاب في الآيات للمشركين المجرمين من عتاة قريش، إنكاراً لسفه عقولهم وهزؤاً بضلال حكمهم ألهم كتاب يدرسون فيه إن لهم ما يتخيرون من دنياهم

الصفحة 66