كتاب التفسير البياني للقرآن الكريم (اسم الجزء: 2)

فينكلف لتأويله بأن "أصلابهم تعقم، أي ترد عظاماً بلا مفاصل لا تنثنى عند الرفع والخفض" أو أن "فقار ظهورهم تدمج فتصير فقرة واحدة، وقد كانوا في الدنيا سالمى الأصلاب والمفاصل". "أو أن الخلق يبقون في الموقف أربعين عاماً ثم يتجلى الله سبحانه وتعالى فيخرون سجداً إلا المنافقين فإنه يصير فقار أصلابهم مثل صياصي البقر.... ظهورهم طبق واحد كأنما فيها السفافيد".
فذلك، ومثله كثير، مما لا يحتمله منهجنا في الأخذ بنص الآيات البينات، لفظاً وسياقاً.
والأولى أن يحمل العجز عن السجود على فوات أوان التعبد ومهلة التكليف.
ونظيره ما في آيات الفجر، في سياق الحديث عن مصير الطغاة والمفسدين في الأرض، وجزاء من ينكصون عن احتمال تبعات التكليف ويأكلون التراث أكلاً لما ويحبون المال حباً جماً:
{وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ} .
* * *
{فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (46) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} ؟
الحديث المشار إليه في الآية، هو ما تلا النبي - صلى الله عليه وسلم - من كلمات ربه. ويحتمل أن يكون ما جاء في سورة القلم من حديث الآخرة. وهو ما ذهب إليه "أبو حيان".
والاستدراج: الأخذ على إمهال درجة درجة، وقد فسره الإمام الطبري: وذلك بأن يمتعهم بمتاع الدنيا حتى يظنوا أنهم متعوا به بخير لهم عند الله فيتمادوا في طغيانهم ثم يأخذهم بغتة وهو لا يشعرون.

الصفحة 69