كتاب التفسير البياني للقرآن الكريم (اسم الجزء: 2)

والذي نطمئن إليه، والله أعلم، هو أن يكون استدراجهم إلى ما يأتي من التحدي بالمعاجزة، ثلزمهم بها الحجة على إعجاز القرآن، بعد أن أملى لهم فقالوا فيه ما وسعهم أن يقولوه. ونستأنس لهذا الفهم بآيات الأعراف:
{وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ}
182-184.
أملى لهم: أمهله وأرخي له في عنانع، لتكون الحجة ألزم والعقاب أفدح. وبغتة الأخذ، تأتي من قوله تعالى: {مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} .
والأجر: جزاء العمل. وسياق الآية أنه من الأجر المادي، بشاهد من النص {فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ} . وغرم مصدر ميمى من الغرم.
وقد أمر الله رسوله، أن يترك له أمر هؤلاء الطغاة المكذبين، الذين يجحدون داعي الحق، وما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يسألهم أجراً على ما يهديهم إليه من خير الدنيا والآخرة، فيثقلهم المغرم. وما كان عندهم علم بالغيب، ليجادلوه فيما يتلو من وحي ربه:
{فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ}
صاحب الحوت هو يونس عليه السلام (الصافات 139) وقصته طويلة، نقتصر فيها على ما جاء في القرآن الكريم، ولا يكاد في جملته يخرج عما في سورة القلم حيث تلفت الآيات إلى جوهر القصة ومناط العبرة، والخطاب فيها إلى المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، تقوية له على ما يحتمل من أذى المكذبين، ورياضة له على الصبلا لحكم ربه عن رضى وتسليم، لا عن غيظ مكبوت وضيق مكظوم.
* * *
ثم تختم سورة القلم بهاتين الآيتين:
{وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ

الصفحة 70