كتاب الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي (اسم الجزء: 2)

§بَابُ الرِّحْلَةِ فِي الْحَدِيثِ إِلَى الْبِلَادِ النَّائِيَةِ لِلِقَاءِ الْحُفَّاظِ بِهَا وَتَحْصِيلِ الْأَسَانِيدِ الْعَالِيَةِ الْمَقْصُودُ فِي الرِّحْلَةِ فِي الْحَدِيثِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا تَحْصِيلُ عُلُوِّ الْإِسْنَادِ وَقِدَمِ السَّمَاعِ، وَالثَّانِي لِقَاءُ الْحُفَّاظِ وَالْمُذَاكَرَةُ لَهُمْ وَالِاسْتِفَادَةُ عَنْهُمْ. فَإِذَا كَانَ الْأَمْرَانِ مَوْجُودَيْنِ فِي بَلَدِ الطَّالِبِ وَمَعْدُومَيْنِ فِي غَيْرِهِ فَلَا فَائِدَةَ فِي الرِّحْلَةِ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى مَا فِي الْبَلَدِ أَوْلَى
1679 - أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ، أنا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ، نا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ دَاوُدَ الزُّبَيْرِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ لِابْنِ وَهْبٍ: §«يَا ابْنَ وَهْبٍ اتَّقِ اللَّهَ وَاقْتَصِرْ عَلَى عِلْمِكَ فَإِنَّهُ لَمْ يَقْتَصِرْ أَحَدٌ عَلَى عِلْمِهِ إِلَّا تَقَعَ وَانْتَفَعَ فَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِمَا طَلَبْتَ مَا عِنْدَ اللَّهِ فَقَدْ أَصَبْتَ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَيَنْفَعُ اللَّهُ بِهِ أُمَمًا وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا تُرِيدُ بِمَا تَعَلَّمْتَ طَلَبَ الدُّنْيَا فَلَيْسَ فِي يَدَيْكَ شَيْءٌ»
1680 - أنا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْهَمَذَانِيُّ نا صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَافِظُ، نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، نا أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ، قَالَ: قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: §«يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى عِلْمِ بَلَدِهِ وَعِلْمِ عَالِمِهِ فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي أَقْتَصِرُ عَلَى عِلْمِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَمَا أَفْتَقِرُ مَعَهُ إِلَى أَحَدٍ» وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْأَمْرَانِ اللَّذَانِ ذَكَرْنَاهُمَا مَوْجُودَيْنِ فِي بَلَدِ الطَّالِبِ وَفِي غَيْرِهِ إِلَّا أَنَّ مَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْبَلَدَيْنِ يَخْتَصُّ بِهِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الطَّالِبُ عِرَاقِيًّا وَفِي بَلَدِهِ عَالِي أَسَانِيدِ الْعِرَاقِيِّينَ وَحُفَّاظُ رُوَايَاتِهَا، وَالْعُلَمَاءُ بِاخْتِلَافِهَا وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ وَبِالشَّامِ مِنْ عُلُوِّ أَسَانِيدِ الشَّامِيِّينَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِأَحَادِيثِهِمْ مَا لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ فَالْمُسْتَحَبُّ لِلطَّالِبِ الرِّحْلَةُ لِجَمْعِ -[224]- الْفَائِدَتَيْنِ مِنْ عُلُوِّ الْإِسْنَادَيْنِ وَعِلْمِ الطَّائِفَتَيْنِ لَكِنْ بَعْدَ تَحْصِيلِهِ حَدِيثَ بَلَدِهِ وَتَمَهُّرِهِ فِي الْمَعْرِفَةِ بِهِ

الصفحة 223