كتاب شرح مختصر الروضة (اسم الجزء: 2)

وَإِذَا تَعَقَّبَ الِاسْتِثْنَاءُ جُمَلًا نَحْوَ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النُّورِ: 4] ، إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [النُّورِ: 5] ، وَكَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُؤَمَّنَّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يُجْلَسْ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ» . عَادَ إِلَى الْكُلِّ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَإِلَى الْأَخِيرَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. وَتَوَقَّفَ الْمُرْتَضَى تَوَقُّفًا اشْتِرَاكِيًّا، وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَالْغَزَالِيُّ تَوَقُّفًا عَارِضِيًّا.
لَنَا: الْعَطْفُ يُوجِبُ اتِّحَادَ الْجُمَلِ مَعْنًى ; فَعَادَ إِلَى الْكُلِّ، كَمَا لَوِ اتَّحَدَ لَفْظًا، وَلِأَنَّ تَكْرِيرَ الِاسْتِثْنَاءِ عَقِيبَ كُلِّ جُمْلَةٍ عِيٌّ قَبِيحٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ ; فَمُقْتَضَى الْفَصَاحَةِ الْعَوْدُ إِلَى الْكُلِّ، وَلِأَنَّ الشَّرْطَ يَعُودُ إِلَى الْكُلِّ نَحْوَ: نِسَائِي طَوَالِقُ، وَعَبِيدِي أَحْرَارٌ إِنْ كَلَّمْتُ زَيْدًا ; فَكَذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءُ بِجَامِعِ افْتِقَارِهِمَا إِلَى مُتَعَلِّقٍ، وَلِهَذَا يُسَمَّى التَّعْلِيقُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى اسْتِثْنَاءً، لَا يُقَالُ: رُتْبَةُ الشَّرْطِ التَّقْدِيمُ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ ; لِأَنَّا نَقُولُ عَقْلًا لَا لُغَةً. ثُمَّ الْكَلَامُ فِيمَا إِذَا تَأَخَّرَ وَلَا فَرْقَ ; ثُمَّ يَلْزَمُكُمْ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْأَوْلَى فَقَطْ مُطْلَقًا، أَوْ إِذَا تَقَدَّمَ وَهُوَ بَاطِلٌ.
قَالُوا: تَفَاصَلَتِ الْجُمَلُ بِالْعَاطِفِ، أَشْبَهَ الْفَصْلَ بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ، وَتَعَلُّقُ الِاسْتِثْنَاءِ ضَرُورِيٌّ ; فَانْدَفَعَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَالْمُرَجِّحُ الْقُرْبُ كَإِعْمَالِ أَقْرَبِ الْعَامِلَيْنِ، وَعَوْدُهُ إِلَى الْكُلِّ مَشْكُوكٌ ; فَلَا يُرْفَعُ الْعُمُومُ الْمُتَيَقَّنُ.
وَأُجِيبَ: بِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْعَطْفَ بِوَاوِ الْجَمْعِ يُوجِبُ اتِّحَادًا مَعْنَوِيًّا، وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ دُونَ التَّفَاصُلِ اللَّفْظِيِّ. وَتَعَلُّقُ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَا قَبْلَهُ لِصَلَاحِيَتِهِ لَهُ لَا ضَرُورَةً. وَإِعْمَالُ أَقْرَبِ الْعَامِلَيْنِ بَصَرِيٌّ مُعَارَضٌ بِعَكْسِهِ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ. وَتَيَقُّنُ الْعُمُومِ قَبْلَ تَمَامِ الْكَلَامِ مَمْنُوعٌ، وَإِنَّمَا يَتِمُّ بِالِاسْتِثْنَاءِ.
الْمُرْتَضَى: اسْتُعْمِلَ فِي اللُّغَةِ عَائِدًا إِلَى الْكُلِّ، وَإِلَى الْبَعْضِ، وَالْأَصْلُ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةُ، وَقِيَاسًا عَلَى الْحَالِ وَالظَّرْفَيْنِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الصفحة 611