كتاب شرح مختصر الروضة (اسم الجزء: 2)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
«قَدْ» ، أَيِ: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَقَدْ عَلِمَ ; لِأَنَّ الْمَاضِيَ لَا يَقَعُ حَالًا إِلَّا مَعَ قَدْ ظَاهِرَةً أَوْ مُقَدَّرَةً، نَحْوُ: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ} [النِّسَاءِ: 90] ، أَيْ: وَقَدْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَنَحْوُ تَرَدُّدِ مِنْ بَيْنَ ابْتِدَاءِ الْغَايَةِ وَالتَّبْعِيضِ فِي آيَةِ التَّيَمُّمِ، حَيْثُ قَالَ تَعَالَى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [الْمَائِدَةِ: 6] ; فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَعْنَاهَا ابْتِدَاءُ الْغَايَةِ، أَيِ: اجْعَلُوا ابْتِدَاءَ الْمَسْحِ مِنَ الصَّعِيدِ، أَوِ ابْتَدِئُوا الْمَسْحَ مِنَ الصَّعِيدِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: هِيَ لِلتَّبْعِيضِ، أَيِ: امْسَحُوا وُجُوهَكُمْ بِبَعْضِ الصَّعِيدِ ; فَلِذَلِكَ اشْتَرَطَ عِنْدَهُمَا أَنْ يَكُونَ لِمَا يُتَيَمَّمُ بِهِ غُبَارٌ، يَعْلَقُ بِالْيَدِ، لِيَتَحَقَّقَ الْمَسْحُ بِبَعْضِهِ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ; لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْمَسْحِ مِنَ الصَّعِيدِ: وَهُوَ كُلُّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضَ ; فَقَدْ حَصَلَ ; فَيَخْرُجُ بِهِ مِنْ عُهْدَةِ النَّصِّ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ غُبَارٌ أَوْ لَا.
وَكَذَلِكَ الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [الْمَائِدَةِ: 6] تَرَدُّدٌ بَيْنَ الْإِلْصَاقِ وَالتَّبْعِيضِ، عَلَى مَا ادَّعَاهُ الشَّافِعِيَّةُ، وَنَقَلُوهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ ; فَانْبَنَى عَلَيْهِ الْخِلَافُ فِي وُجُوبِ اسْتِيعَابِ الرَّأْسِ بِالْمَسْحِ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنْكَرُوا وُرُودَ الْبَاءِ لِلتَّبْعِيضِ.
وَالْمَأْخَذُ الْجَيِّدُ فِي تَبْعِيضِ مَسْحِ الرَّأْسِ غَيْرُ هَذَا، وَهُوَ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْبَاءَ اسْتُعْمِلَتْ فِي اللُّغَةِ تَارَةً بِمَعْنَى الْإِلْصَاقِ، نَحْوَ: أَمْسَكْتُ الْحَبَلَ بِيَدِي، أَيْ: أَلْصَقْتُهَا بِهِ، وَتَارَةً لِلتَّبْعِيضِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ
الصفحة 652