كتاب شرح مختصر الروضة (اسم الجزء: 2)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْحُكْمِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النُّطْقِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَهُوَ مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ، كَفَهْمِ تَحْرِيمِ الضَّرْبِ مِنْ تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا} [الْإِسْرَاءِ: 23] » ، فَإِنَّ مَنْطُوقَ هَذَا تَحْرِيمُ التَّأْفِيفِ وَالِانْتِهَارِ، وَمَفْهُومَهُ بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ وَالْفَحْوَى تَحْرِيمُ الضَّرْبِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْإِيلَامَاتِ الزَّائِدَةِ عَلَى التَّأْفِيفِ وَالِانْتِهَارِ بِطَرِيقِ أَوْلَى، وَسُمِّيَ هَذَا مَفْهُومَ الْمُوَافَقَةِ ; لِأَنَّهُ يُوَافِقُ الْمَنْطُوقَ فِي الْحُكْمِ، وَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ فِي التَّأْكِيدِ، بِخِلَافِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ ; فَإِنَّهُ يُخَالِفُ حُكْمَ الْمَنْطُوقِ كَفَهْمِ عَدَمِ الزَّكَاةِ فِي الْمَعْلُوفَةِ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ الزَّكَاةُ.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آلِ عِمْرَانَ: 75] ; فَتَأْدِيَتُهُ لِلدِّينَارِ بِطَرِيقِ أَوْلَى، وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْهُ، {وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آلِ عِمْرَانَ: 75] ، يُفْهَمُ مِنْهُ عَدَمُ تَأْدِيَتِهِ لِلْقِنْطَارِ بِطَرِيقِ أَوْلَى.
وَكَذَا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزَّلْزَلَةِ: 7] ، يُفْهَمُ مِنْهُ بِطَرِيقِ أَوْلَى أَنَّهُ يَرَى مِثْقَالَ الْجَبَلِ مِنَ الْخَيْرِ.
وَمِمَّا يَقْرُبُ مِنْ ذَلِكَ: قَاعِدَةُ نَفْيِ الْأَعَمِّ، وَإِثْبَاتِ الْأَخَصِّ ; فَمَتَى وَرَدَ النَّفْيُ عَلَى الْأَعَمِّ، اقْتَضَى نَفْيَ الْأَخَصِّ بِطَرِيقِ أَوْلَى، وَإِنْ وَرَدَ الْإِثْبَاتُ عَلَى الْأَخَصِّ، اقْتَضَى إِثْبَاتَ الْأَعَمِّ بِطَرِيقِ أَوْلَى، وَهُوَ مِنْ بَابِ إِثْبَاتِ الْمَلْزُومِ،
الصفحة 715