كتاب الشبهات التي أثيرت حول دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (مطبوع ضمن بحوث ندوة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب)

إن هذا الحديث الضعيف الذي ساقه الشيخ السيامي نقلا عن الطبراني، في جواز تلقين الميت بعد دفنه، لا يقبل دينا أو عقلا وذلك: أولا: ما جاء في هذا الحديث الضعيف من أن منكرا ونكيرا إذا سمعا ما لقن به الميت تركاه من غير سؤال وأخذ كل منهما بيد صاحبه وقالا: "ما يقعدنا عند من لقن حجته" - فهذا يعارض معارضة صريحة ما جاء في الحديث الصحيح: " إذا مات الميت انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له، أو علم ينتفع به " 1 وهذه الأمور الثلاثة هي من عمل الميت قبل أن يموت، وقد بقيت آثارها بعده، كما يقول تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} 2.فهذه الأمور الثلاثة من الآثار الصالحة التي خلفها الميت وراءه، وهي مما يشير إليه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: " من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، لا ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، لا ينقص من أوزارهم شيء " 3.فكيف يكون تلقين الميت من الأعمال التي ينتفع بها بعد موته؟ وكيف تقيم له حجة في ترك مساءلته؟ إن ذلك إن يكن لتساوي المؤمن والفاسق، والصالح والطالح، وهذا ما لا يكون في عدل الله تعالى، أبدا. ثم إن هذا التلقين للميت لو كان من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمله ولتعلمه الصحابة منه، ولكان عملا متواترا، يلتزمه المسلمون في تلقين موتاهم، ولما وقع فيه خلاف، بل ولما احتاج إلى بيان من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم هذه التمثيلية التي يجريها الميت في قبره، فيقوم، ثم يطلب الإرشاد من ملقنيه، ثم انصراف الملكين عنه من غير سؤال، كل هذا غيب لا يطلع عليه أحد، ولا يمكن أن يكشف عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل كان يلقن الميت، ثم يدعو المسلمين أن يفعلوا مثل ما فعل. وإذن فتلقين الميت بدعة من البدع الحادثة في الإسلام.
__________
1 مسلم: الوصية 1631 , والترمذي: الأحكام 1376 , والنسائي: الوصايا 3651 , وأبو داود: الوصايا 2880 , وأحمد 2/372 , والدارمي: المقدمة 559.
2 سورة يس آية: 12.
3 مسلم: الزكاة 1017 , والترمذي: العلم 2675 , والنسائي: الزكاة 2554 , وابن ماجه: المقدمة 203 , وأحمد 4/357 , والدارمي: المقدمة 512 ,514.

الصفحة 222