كتاب الشبهات التي أثيرت حول دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (مطبوع ضمن بحوث ندوة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب)
- 4 -
إن الظلام الذي قد خيم على ربوع الأوطان الإسلامية، منذ أن استولى على أمورها الأعاجم من الديلم، والسلاجقة، والمغول، والأتراك، أن هذا الظلام قد ألقى ستراً كثيفة بين المسلمين وبين موارد دينهم الحنيف، حيث دخلت على هذا الدين كثير من العقائد الفاسدة والمذاهب الضالة، والعادات الموروثة من عبادات غير الله تعالى، من شمس، وقمر، ونار، وأنهار، وحيوان.. إلى غير ذلك مما كانت تدين به تلك الشعوب قبل دخولها في الإسلام، ولم تزل أشباح تلك المعبودات تتحرك في أدمغة كثير ممن تركوا عباداتها، فجمعوا بين ذلك وبين دين الله، وكان من ذلك هذا البلاء العظيم الذي أبعد المسلمين عن الإسلام، وحرمهم مجاني ثمراته المباركة الطيبة. ولكن مع هذا الظلام المطبق لم يحرم العالم الإسلامي من شعاعات من النور، كانت تتسلل بخيوطها هنا وهناك وسط هذا الظلام الكثيف، تذكر الناس بدين الله وتدفئ صدورهم بالأمل في مطلع صبح جديد، يرد فيه إلى الإسلام مكانه في قلوب المسلمين وعقولهم، على نحو ما بلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه. ويكفي في وسط هذا الظلام الكثيف بارقة من ضوء، كي توقظ النائمين، وتنبه الغافلين، فإن مثل هذه البارقة في أحشاء الظلام تعد ظاهرة أشبه بالمعجزة، مع أنها لا تكون شيئا له حساب إذا هي برقت في مشرق الشمس ووضح النهار. روى الجبرتي "المؤرخ المصري في تاريخه المعروف" عجائب الآثار تلك الحادثة التي وقعت في شهر رمضان سنة 1123هـ وذلك قبل أن يقوم الشيخ محمد بن عبد الوهاب بدعوة التوحيد حيث ولد رضي الله عنه سنة 1115هـ. يقول الجبرتي عن هذه الحادثة: "إن واعظا تركيا وفد من الروم إلى مصر، في تلك السنة 1123هـ وجلس يعظ الناس