كتاب تأثر الدعوات الإصلاحية في أندونيسيا بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (مطبوع ضمن بحوث ندوة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب)

ومن غرائب الصدفة أن كبرى الجمعيات التي ظهرت في أندونيسيا على أساس الدعوة الإصلاحية والحركة السلفية قد اتخذت لنفسها اسما هو عندي نسبة صحيحة للشيخ محمد بن عبد الوهاب، وهي جمعية محمدية، ولا أدري أكانت هذه النسبة من مجرد المصادفة أم أنها كانت داخلة تحت الحسبان. ظهرت هذه الجمعية على يد مؤسسها الشيخ الحاج أحمد دخلان وعلى أيدي تلاميذه المتحمسين وأتباعه المخلصين. وكان الشيخ فيما مضى خطيبا في مسجد السلطان في جوكياكرتا - تقلد بهذا المنصب لقب "الخطيب الأمين" – وثَرِيّاً من أثرياء تجار باطيك، وقد أدى فريضة الحج مرتين. وبعد رجوعه في المرة الأخيرة سنة 1902، وبعد ما أقام في جوار بيت الله الحرام مدة من الزمان، اتصل فيها بعلماء الدعوة وعرف حقيقتها ومبادئها وسمع منهم ما حصل لها من القضاء على كثير من المفاسد، وإعادة الناس إلى دينهم الصحيح، وبعد مطالعته لكثير من آراء علماء الإصلاح أمثال الشيخ ابن تيمية وتلميذه الشيخ ابن قيم الجوزيه، والشيخ محمد عبده، وتلميذه محمد رشيد رضا وغيرهم اشتد عزمه على بث هذه الدعوة الإصلاحية وبدأ الحركة السلفية، ثم استقال من منصبه في مسجد السلطان، وأخذ يجاهد في سبيل الدعوة بنفسه وماله ويثابر عليها مثابرة منقطعة النظير، ثم انتقل إلى جوار بارئه سنة 1923م ونفسه راضية مرضية، وبعد ما شاهد انتشار دعوته وثمار حركته وكثرة أعوانه وأتباعه. وشاء الله أن تكون لهذه الجمعية فيما بعد غصون وفروع في جميع أنحاء البلاد، وما درس في اختلاف المستويات وجامعات وجوامع ومستشفيات وملاجئ للأيتام وما إلى ذلك، فلا تكاد توجد في أندونيسيا قرية أو بلدة إلا وفيها فرع أو مدرسة أو مستشفى أو مستوصف أو ملجأ للأيتام أو مجلس للتعليم لهذه الجمعية، فكانت جمعية محمدية - بدون ريب - أكبر الجمعيات التي تحمل على عاتقها الدعوة الإصلاحية في أندونيسيا، ويقال:

الصفحة 399