كتاب تأثر الدعوات الإصلاحية في أندونيسيا بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (مطبوع ضمن بحوث ندوة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب)

وسلك نهج السلف ذلك من الإيمان بجميع ما ورد من الصفات والأسماء التي وصف الله بها نفسه، أو سمى بها نفسه كما وردت من غير تكييف ولا تعطيل، والراسخون في العلم يقولون: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلْبَابِ} 1.صرح غير واحد من علماء التحقيق أن الفكر في ذات الله تعالى ممتنع عن العقل البشري مهما عظمت قوته، وأن معرفة الله بمعرفة أسمائه وصفاته التي تليق بربوبيته وألوهيته التي تعرف بها إلى خلقها، وبالنظر إلى بدائع صنعه وعجائب خلقه وبالاستعانة بطاعة الله وحسن عبادته، بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، أما الخوض في المسائل الكلامية والمباحث الفلسفية في ذلك فهو أقرب إلى رياضة عقلية منه إلى مهمة دينية.
الإيمان بالقدر:
ومعلوم من الدين بالضرورة أن الإيمان بالقدر خيره وشره ركن من أركان الإيمان، وجاءت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تبينه وتبين ما يتعلق به بعبارات سهلة واضحة، سائغة للعقول، بعيدة من التعقيد والغموض، ولكن الناس أرادوا غير هذا وتنطعوا في المسألة، واستحبوا الفتن البالية التي أثارتها الجبرية والقدرية، مع عجزهم عن حلها وبحثها بما يشفي الغليل، وعدم إتيانهم بجديد إلا تناظر في الألفاظ والأساليب، فلا يحدث بذلك عند الطالبين سوى دوار في الرءوس، وشكوك في القلوب، واضطراب في النفوس. أما ما جاء به الشيخ في كتاب التوحيد فهو- عندي- نفس ما جاء به الدين في ذلك، وذلك أنه بين أن الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان ولا يتحقق الإيمان إلا به، فذكر حديث ابن عمر: " والذي نفس ابن عمر بيده، لو كان لأحدهم مثل أحد ذهبا ثم أنفقه في سبيل الله ما قبله منه حتى يؤمن بالقدر " 2، ثم استدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم: " الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره " 3 (رواه مسلم) ، وحديث ابن وهب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فمن لم يؤمن بالقدر أحرقه الله بالنار " (رواه أحمد) .
__________
1 سورة آل عمران آية: 7.
2 أبو داود: السنة (4699) , وابن ماجه: المقدمة (77) , وأحمد (5/182 ,5/185 ,5/189) .
3 مسلم: الإيمان (8) , والترمذي: الإيمان (2610) , والنسائي: الإيمان وشرائعه (4990) , وأبو داود: السنة (4695) , وابن ماجه: المقدمة (63) , وأحمد (1/27 ,1/28 ,1/51 ,1/52 ,2/107) .

الصفحة 417