كتاب أثر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في حركة عثمان بن فودي الإصلاحية في غرب أفريقيا (مطبوع ضمن بحوث ندوة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب)
الحدود الغربية لبلاد دارفور في سودان وادي النيل في الشرق، وتقع بين الصحراء الكبرى في الشمال، وبين نطاق الغابات الاستوائية في الجنوب.
ولقد تأثرت هذه الأقاليم بموجتين إسلاميتين، تتجلى أولاهما في تسرب الإسلام وانتشاره فيها انتشارا بطيئا استغرق حوالي سبعة قرون ابتداء من القرن الخامس الهجري (11م) ، وجاءت الموجة الثانية في أعقاب حركة الجهاد التي اضطلع بها الفلان في القرن الثالث عشر الهجري (19م) .
أما الموجة الأولى فكانت طلائعها من قبائل الملثمين (الطوارق) الذين اضطلعوا بنشر الإسلام في غرب أفريقية، عن طريق التسرب السلمي والاستيطان في هذه الأقاليم، أو عن طريق الغزو والفتح. وعلى الرغم من أن حركة المرابطين بزعامة قبيلة جدالة في القرن الخامس الهجري (11 م) كانت قصيرة العمر فإنهم نجحوا في إزالة أكبر عقبة كانت تحول دون تقدم الإسلام جنوبا، فاضمحلت على أيديهم مملكة غانة الوثنية، ثم اعتنق ملوكها الإسلام وأخلصوا له، وعملوا على نشره بوسائلهم، وتحولت غالبية شعب غانة إلى الإسلام. واستطاع دعاة المرابطين أن ينشروا الإسلام على ضفاف السنغال، وفي الأقاليم الواقعة بين السنغال والنيجر. وتم في عهد المرابطين تأسيس مدينة "تنبكت" وامتداد الإسلام إلى مدينة (جنى) ، وقد غدت هاتان المدينتان السودانيتان أعظم مركزين للثقافة الإسلامية وسوقين هامتين للتجارة السودانية على ضفاف النيجر. وفي هذه المرحلة كذلك، ظلت الموجة الإسلامية الأولى قوية، بيد أن موجهيها لم يصبحوا من البربر، بل من أهل البلاد الأصليين الذين اعتنقوا الإسلام، ونالوا نصيبا من الثقافة الإسلامية، سواء أكانوا من السودانيين الخلص، أم من السودانيين الذين اختلطت دماؤهم بدماء البربر، وأفادوا من خبراتهم السابقة في ميادين السياسة والحرب، فأسسوا سلطنات إسلامية واسعة مثل: مالي "وسنغى، وبرنوء والكانم، وإمارات الهوسة في شمال نيجيريا، حيث قامت سبع إمارات هي: دورا، وكانو، وزاريا، وغوبر (جوبير) ، وكتسنا، وبيرام، ورانو1.
الصفحة 429
504