كتاب التنكيل - دار المعارف (اسم الجزء: 2)

أقول : قال الله عز وجل : [ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ] ومن المساكين الصغير والكبلير والطويل الجسيم والقصير القضيف ،ومن المماليك الصغير والكبير وقد يقال نحو ذلك في الإطعام والكسوة إذ يصدقان بتمرة تمرة وقلنسوة ،وأمثال هذا في النصوص كثير ،وفيها ذكر المقادير كالصاع والرطل والمثقال والميل والفرسخ وغير ذلك مما وقع فيه اشتباه والاختلاف ، ولم يقل أحد في شيء من ذلك أنه مجمل ،بل منهم من يقول بمقتضى الإطلاق ،ومنهم من يذهب إلى الغالب أو الأوسط ،ومنهم من يختار الأكمل فيمكن إذ بمعنى الإطلاق في القلتين فيؤول ذلك إلى التحقيق المقدار بما يملأ قلتين أصغر ما يكون من القلال ولا يخدش في ذلك أنه قد يكون مقدار قلة كبيرة أو نصفها مثلاً كما قد يأتى نحو ذلك في كسوة المساكين على القول بأنه يكفى ما يسمى كسوة المساكين .ويمكن الأخذ بالأحوط كما فعل الشافعى وغيره ،ولا ريب أن ما بلغ قلتين من أكبر القلال المعهودة حينئذ وزاد على ذلك داخل في الحكم المنطوق الحديث حتماً على كل تقدير،وهو أنه لا ينجس ،وأن ما لميبلغ قلتين من أصغر القلال المعهود حينئذ داخل في الحكم مفهوم الحديث حتماً ، وهو أنه ينجس ، فلا يتوهم في لحديث إجمال بالنظر إلى هذين المقدارين وإنما يبقى الشك في ما بينهما فيؤخذ فيه بالاحتياط .
وقال ابن التركماني في ( الجوهر النقي ) : (( وقد اختلف في تفسير القلتين اختلافاً شديداً كما ترى ، ففسرتا بخمس قرب ،وبأربع ،وبأربعة وبالخأبيتين، والخأبية : الحُبَّ ، فظهر بهذا جهالة مقدار القلتين فتعذر العمل بها )) .
أقول :أما الاختلاف في تفسير القلة بمقتضى اللغة فمن تأمل كلام أهل اللغة وموارد الإستعمال وتفسير المحدثين السابقين ظهر له أن القلة هي الجرة ،وإنما جاء قيد الكبر من جهتين : الأولى : تفسير أهل الغريب لما ورد في لحديث في ذكر سدرة المنتهى (( فإذا نبقها مثل

الصفحة 10