كتاب التنكيل - دار المعارف (اسم الجزء: 2)

الثانية : دلّ على البول في الماء الراكد ينجسه ،ولم يشترط التغير فهو حجة لنا على من يشترطه .
اثالثة : قال في رواية البخارى : (( ثم يغتسل فيه )) وهو ظاهر في شمول الحكم للماء الذي يمكن الإنسان أن يغتسل فيه ،ولابد أن يكون أكثر من قلتين فهو حجة لنا على من يقول بالقلتين .
أقول : أما القضية الأولى فدلالة الحديث على التفرقة إنما هي بمفهوم المخالفة ،والحنفية لا يقولون بها فيلزمهم إلحاق الجارى بالرا كد قياسياً أو يقيموا على مخالفة له دليلاً آخر . أما نحن فنقول بدلالة مفهوم المخالفة ولكننا نقول ليس وجه المخالفة ماتوهمه الحنيفة أو بعضهم حتى قال بعضهم (( إنا ان ماء أحدهما طاهر ،والآخر نجس فصبا من مكان عال فاختلطا في الهواء ثم نزلا طهر كله ! ولو أجرى ماء الاناءين في الارض صار بمنزله ماء جار )) وقال بعضهم (( لو حفر نهراً من حوض صغير أو صب رفيقه الماء في ميزاب وتوضأ فيه وعند طرفة الآخر إنا يجتمع فيه الماء جاز توضؤه به ثانياً وثم وثم )) وذكروا أن هذا معتبر حتى على القول بنجاسة الماء المستعمل ،وقضية هذا أنه لو عمد إلى جرة يصب الماء منها في ميزاب وقعد آخر على وسط الميزاب يبول يبول فيه ويسيل بوله مع الماء وعلى طرف الميزاب إناء يجتمع فيه ذاك الماء كان ذاك الماء الذي خالطه البول واجتمع في ذاك البول الإناء طاهراً مطهراً مع أنه لووضع في الجرة ابتداء . شيء يسير من ذاك البول لصار ماؤها نجساً !ولا يخفى أن مثل هذا الفرق لا يعقل له وجه ،وإنما الماء الجارى الخارج بمفهوم المخالفة في الحديث هو بمقتضى التبادر والنظر ما كان جارياً بطبعه كالأنهار والعيون مماليس مفسدة البولفيه كمفسدة البول في الراكد فإنالراكد يختلط به البول ويبقى بحاله فإن اغتسل منه البائل وغيره كان مغتسلاً بماء مخالطه البل من أول اغتساله إلى آخره.وأما الجارى كماء النهر فإن الدافعة التي وقع فيها البول تذهب فوراً ولا تعود فلا يمكن البائل أن يعود فيغتسل فيها وإنما يمكنه أن يعود فيغتسل في تلك البقعة ولا صغير ،فان الماء الذى يكون فيها ماء جديد لم يخالطه بوله ،ومنشأن الماء الجارى أن يتلاحق فلا تكاد تمر الدافعة التي وقع فيها البول مسافة لهم قدر حتى يتلاحق بها الماء المتجدد فيتغلب

الصفحة 15