كتاب التنكيل - دار المعارف (اسم الجزء: 2)

عليها وعلى أنها حفظت بعض حالها حتى مرتبانسان يغتسل فسرعان ما تجاوزه ويعقبها الماء الجديد بل المتجدد فيذهب بأثرها فهذا هو المعنى المعقول الذى به خالف الجارى الراكد فوجب البناء عليه وبذلك على الجواب .
وأما القضية الثانية فلو دل الحديث الجابر على تنج الراكد بالبولة الوحدة لدل على تنجس كل ماء راكد قل أو كثر حتى البحر الأعظم فالصواب أن هناك عدة علل إذا خشيت واحدة منها تحقق النهى :
الاولى : التنجيس حالاً إما بأن يكون الماء قليلاً جداً تغيره البولة الواحدة ،وأما بأن يكون دون المقدار الشرعي وقد تقدم الكلام فيه.
الثانية : التنجيس مآلاً وذلك أنه لو لمينه عن البول في الماء الراكد لأوشك أن يبول هذا ثم يعود فيبول ويتكرر ذلك وكذلك يصنع غيره فقد يكثر البول حتى يغير الماء فينجسه .
الثالثة : التقدير حالاً ، قال الشافعي كما في هامش ( الأم ) ج7ص111 (( ومن رأى رجلاً يبول في ماء نافع قذر الشرب منه والوضوء به )) وقال قبل ذلك: (( كما ينهى أن يتغوط على ظهر الطريق والظل والمواضع التي يأوى الناس إليها لما يتأذى به الناس من ذلك ))
الرابعة : التقذير مآلاً قد يكونالغدير أو المصنعة كبيراً جداً لا يقذره الإنسان لبوله واحدة لكن إذا علم أن الناس يعتادون البول فيه قذره .
الخامسة : فشّو الأمراض ،فقد تحقق في الطب أن كثيراً من الأمراض إذا بال المبتلى بأحدها خرجت الجراثيم المرض مع البول فأن كان البول في ماء راكد بقيت تلك الجراثيم حتى تدخل في اجسام الناس الذين يستعملون ذاك الماء فيصابون بتلك الامراض والاصابة بذلك اكثر جداً من الاصابة بالجذام للقرب من المجذوم وقد ثبت في الصحيح ( فر من المجذوم كما تفر من الاسد ) وكثير منها اشد ضرراً من جرب الابل وقد ثبت في ( الصحيح ) ( ( لايردون ممرض على مصلح ) ) ، وبهذا يبقى الحديث على عمومة ولايحتاج الى اخراج عن ظاهرة بمجرد الاستنباط فأما حال الظرورة فمستثنى من أكثر النواهي . ثم إن تحقق بعض

الصفحة 16