كتاب التنكيل - دار المعارف (اسم الجزء: 2)

شرعت الصلاة ، فرأى ابن مسعود النبي - صلى الله عليه وسلم - في اول الإسلام يصلى ولا ريفع إلا في اول الصلاة فأخذ ابن مسعود بذلك كما أخذ كما أخذ بالتطبيق والموقف ، وإن كان كل ذلك كان أولاً ثم ترك ،وقد يكون رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ترك الرفع في بعض الصلوات لبيان أنه ليس بواجب فأخذ ابن مسعود بذلك .
فإن قيل : قضية الموقف قريبة لأن غالب ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي الجماعة بأكثر من اثنين فأما قضيتنا التطبيق والرفع ففيما ذكر بعد .
قلت : قد فتح الله تعالى وله الحمد بوجه يقرب الأمر في الثلاث كلها وهو أن يقال كأنه كان من رأى ابن مسعود أن النسخ لا يثبت بالترك وحذه بل يبقى الأول مشروعاً في الجملة على ما يقتضيه حاله ،ويرى أن على العالم إذا خشي أن ينسى الناس الأمر الأول أن يسعى في إحيائه ، فأما التطبيق فقد علم ابن مسعود أنه كان مشروعاً ثم ترك العمل به ورأى هو أن تركه ليس نسخاً له ، بل إما أن يكون تركه رخصة لأنه فيما يظهر أشق من لأخذ بالركب وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ربما يدع الأمر المستحب كراهية المشقة كما كان يعجل الصلاة العشاء إذا جمعوا وأبطأ بها ليلة ثم خرج فصلى وقال : (( إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي )) وإما أن يكوتا سواء والمصلى مخير بينهما ،وأما أن يكون التطبيق مندوباً أيضاً وإن كان الأخذ بالركب أفضل ، وقد علم ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ربما يدع وما هو في أصل مندوب ليبين للناس أنه ليس بواجب وربما يفعل ما هو في الأصل مكروه ليبين للناس أنه ليس بحرام ،وكان أبو بكر وابن عباس لا يضحون ، كانوا يدعون التضحية ليبينوا للناس أنها ليست بواجبة ، فلما رأى ابن مسعود أن الناس قد أطبقوا على ترك التطبيق رأى أنه سنة قد أميتت فأجب إحياءها ففعله ،وأمر أصحابه بفعله ولم يخش أن يؤدي ذلك إلى إماتة الأخذ بالركب ، لعله أن مشروعية ذلك معلومة بين لناس ،وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - . إذا قصد بيان الجواز فترك ما هو في الأصل مكروه لا يخبر بقصده بل يكل الناس إلى ماقد عرفوه من الدليل على ما هو الأصل في ذلك ، وكذلك لم ينقل

الصفحة 23