كتاب التنكيل - دار المعارف (اسم الجزء: 2)

أن أبا بكر وعمر وابن عباس كانوا حين يتركون التضحية يبينون قصدهم بل يكونوا يتكلون على ما قد عرفه الناس من مشروعيتها .
وأما وقوف إمام الإثنين بينهما ، فعلل النبي - صلى الله عليه وسلم - فعله مرة ثم تقدم فعلهم ابن مسعود الأمرين ولكنه رأى أن الأول لم ينسخ وأن كلا الأمرين مشروع وإن كان التقدم أفضل ، ثم لما رأى الناس أطبقوا على التقدم أحب إحياء تلك السنة . وأما ترك الرفع في غير أول الصلاة فإن ثبت عن ابن مسعود فالظاهر أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - تركه ،وأما في أول الإسلام بأن يكون كان أولاً يقتصر على الرفع أول الصلاة ، ثم رفع في بقية المواضع ،وأما بعد ذلك بأن يكون ربما ترك الرفع في غير الموضع مواظبتهم على الرفع أول الصلاة تركه لمصلحة البيان ،وحال ذلك عنده دون حال التطبيق ووقوف إمام الاثنين بينهما بدليل أنه عقب تلك الصلاة أمر بهذين ولم يعرض للرفع كما مر في حديث مسلم وربما يقال قد يكون ابن مسعود علم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان اولاً يطبق ولا يرفع عند الركوع والرجوع منه ،ثم ترك التطبيق ورفع ،وفرأى ابن مسعود أن الرفع بدل من التطبيق ،فأما الأخذ بالركب فقد يكون رخصة
فقط فلما بدا لابن مسعود إحياء التطبيق طبق ولم يرفع لئلا يجمع بين البدل والمبدل . والله اعلم .
فهذا غاية ما يقتضيه حسن الظن بابن مسعود وهو أهل أن يحسن الظن به . وعلى كل حال فقد ثبت الرفع قطعاً عن النبلي - صلى الله عليه وسلم - وهو فعل عبادى متعلق بالصلاة لا يعقل أن يكون الفعل مندوباً كطلقاً ،ويكون الترك أيضاً مندوباً مطلقاً فما بقا الاحتمال النسخ ، والنسخ لا يثبت بمثل ماروي عن ابن مسعود مع ما فيه من الكلام وما يطرقه من الاحتمال،وقد ترك الصحابة في عهد عثمان تكبيرات الانتقال أو لجهر بها وأستمر ذلك حتى ظن بعض التابعين أن ذلك غير مشروع كما يأتي ، ولا يظهر للترك سبب إلا الترخص في ترك المندوب ، ونحن لم نظن بابن مسعود في ترك الرفع ذلك ولا ما هو أبعد عن الملامة كالنسيان والذهول ،

الصفحة 24